نافورة تريفي: أيقونة روما التاريخيّة

نافورة تريفي: أيقونة روما التاريخيّة

12 يناير 2020
يصل ارتفاع نافورة تريفي إلى 26 متراً (العربي الجديد)
+ الخط -
ليست زيارة نافورة تريفي في روما فقط لعاشقي جمال الفن والطبيعة، باعتبارها إحدى أروع النافورات في العالم، بل هي أيضاً لأولئك الحالمين. إذ تقول الأسطورة إن رمي قطعة معدنية من فوق كتفك في هذه النافورة، سوف يجلب لك الحظ السعيد، أو يحقّق أمانيك، كما يضمن عودتك يومًا ما إلى هذه المدينة الخالدة. ويعود تاريخ النافورة إلى العصور الرومانية القديمة، منذ إنشاء قناة "أكوا فيرجو" عام 19 قبل الميلاد، وذلك لتوفير المياه للحّمامات الرومانية ونافورات وسط روما. ويقال إن "أكوا فيرجو" أو "فيرجن ووترز"، سميت تكريماً لفتاة رومانيّة شابة قادت الجنود العطشى إليها لشرب المياه. وقد بنيت النافورة في نهاية القناة، عند تقاطع ثلاثة طرق، وهو الاسم الذي أطلق على النافورة Tre Vie، ويعني بالإيطالية ثلاثة طرق. 

وعلى الرغم من عظمة نافورة تريفي، إلا أنَّها تقع بين شوارع صغيرة، وتجوَّلت "العربي الجديد" في هذه الأزقَّة، حيث يتزاحم السيّاح في مقاهيها ومطاعمها بأعداد كبيرة. هناك نلاحظ أولئك الذين يحملون أمانيهم إلى النافورة، ويرمون القطع النقدية في مياهها آملين في تحقيق رغباتهم. آلاف القطع النقدية تُلقى يومياً فيها، ويُقال إنّ قيمتها تصل إلى أربعة آلاف يورو في اليوم، وما يقارب الـ1.5 مليون يورو سنوياً.

وقد يتساءل الكثيرون منّا: أين تذهب هذه الأموال؟

من المهم أن نعلم أنّ كل من يأخذ المال من مياهها يعاقب بجريمة السرقة. وفي الماضي، كان اللصوص يستخرجون هذه العملات من النافورة ليلاً. وقد ألقي القبض على ثلاثة منهم في عام 2011. أمّا أشهر اللصوص، فكان يُعَرف باسم "دارتاغنان"، إذْ كان يسرق القطع النقدية من النافورة على مدى 34 عاماً، قبل أن يتم توقيفه في صيف عام 2002.
ولغاية بداية عام 2019، كانت تُجمَع هذه القطع النقدية كل ليلة وتعطى لجمعية خيرية كاثوليكية إيطالية تُدعَى "كاريتاس"، وذلك لمساعدة فقراء المدينة والمشرّدين. وأثير جدلٌ فقرّرت فيرجينيا راي، عمدة روما، على أثره أنّ هذه الأموال تنتمي إلى إدارتها. وقالت، آنذاك، إنّه اعتباراً من 1 إبريل/ نيسان 2019، لن تدفع التبرّعات إلى جمعية "كاريتاس"، بل ستُستخدَم في بلدية روما لصيانة المواقع الثقافية ومشاريع الرعاية الاجتماعية. وافقت بلدية روما على التغييرات المقترحة، لكنَّها أثارت ردّ فعلٍ عنيف من قبل الكنيسة الكاثوليكية، التي اتّهمت العمدة بمعاداة الفقراء.

اشتهرت نافورة تريفي في عدد من الأفلام ولاقت شهرة عالمية. مثلاً، في فيلم فيديريكو فيليني الكلاسيكي "لا دولتشي فيتا" في الستينيات، ثمَّة مشهد تقوم فيه الممثلة أنيتا إيكبرج بالشرب من مياه النافورة، وهي ترتدي ثوب سهرة أسود. وفي عام 1996 اتّشحت النافورة بالسواد، وتمّ إيقافها حداداً على وفاة الممثّل مارسيللو ماستروياني، الذي قام ببطولة هذا الفيلم، تكريماً له على تمثيله المشهد الأكثر شهرة أمامها. ويعود تقليد رمي العملة المعدنية في النافورة إلى فيلم "ثلاث عملات معدنية في النافورة" الذي عُرِض عام 1954.

وتعتبَر نافورة تريفي أيقونة تاريخية في روما، حتى أنّ بعض المواد المستخدمة في بنائها، مثل الحجر الجيري، هي ذاتها التي نجدها في مبنى الكولوسيوم، وهو مدرّج روماني عملاق قائم منذ آلاف السنين. كما نلاحظ وجود معدن مصنوع من كربونات الكالسيوم، الذي يتشكَّل بدرجة أولى من مياه الينابيع، وخاصة الينابيع الساخنة، إذْ يُعتقَد بأنّها تنبع من مدينة تيفولي، على بعد حوالي 22 ميلاً من روما. ويروى أنّه أثناء بناء النافورة، أُصيب العديد من الرجال، وتوفي عدد كبير منهم جرّاء سقوط الحجارة الضخمة عليهم. ويصل ارتفاع نافورة تريفي إلى 26 متراً، ويبلغ عرضها 49 متراً، وهي مصمّمة بأناقة على طراز بناء الباروك. وفي عام 1730، عقد البابا كليمنت الثاني عشر مسابقة لإعادة تصميم النافورة، وحصل المهندس المعماري المولود في رومانيا نيكولا سالفي على المشروع في النهاية. وبدأ العمل تحت إشراف سالفي في عام 1732، وانتهى في عام 1762، من قبل جوزيبي بانيني بعد وفاة سالفي في عام 1751.

دلالات

المساهمون