جوردان بيلي... رعب بنكهة كوميدية

جوردان بيلي... رعب بنكهة كوميدية

14 ابريل 2019
الكوميدي والمخرج جوردان بيلي (Getty)
+ الخط -
عام 2017، فاجأ الكوميدي جوردن بيلي العالم بفيلمه الأول مخرجًا لـ Get Out، كاسرًا به التوقّعات كلّها عن نوع الفيلم ومستواه الفني، ومُحقِّقًا نجاحًا نقديًا وجماهيريًا كبيرًا، قبل أن يكتمل النجاح بفوزه بـ"أوسكار" أفضل سيناريو أصلي (بيلي نفسه)، جاعلاً بيلي أحد أكثر مخرجي السينما الذين يُنتظر جديدهم، تحديدًا للإجابة عن سؤال: هل الفيلم الأول ضربة حظّ، أم أن صانعه مخرج ممتاز، وخصوصًا في مجال "سينما الرعب"؟ 

مع عرض Us المُنجز مؤخّرًا (2019)، تبدو الإجابة جلية: عمل آخر مختلف ومفاجئ ومُجدِّد في الشكل الكلاسيكي لأفلام الرعب، يحمل تفسيرات سياسية واجتماعية وعرقية عديدة، كجزءٍ من قصّته.

التشابهات بين الفيلمين لا تحصى، أولها التحرّك بفرضية كابوسية في إطار زمني ـ مكاني ضيّق، مع عائلة مكوّنة من 4 أفراد (أب وأم وابنة وابن)، يذهبون إلى شاطئ "سانتا كروز" لتمضية العطلة الصيفية، في المكان نفسه الذي تعرّضت فيه الأم لحادثة مرعبة في طفولتها أثّرت على حياتها، إذْ دخلت إلى "بيت المرايا"، ورأت فيه شبيهة لها تُماثلها في كلّ شيء، شكلًا وملبسًا. تسير الأمور بشكل عادي، لكنه قابض على النَفَس في الوقت ذاته، حتى تفاجَأ العائلة بعائلةٍ أخرى تماثلها تمامًا، تقف على عتبة المنزل، وتهاجمها، وسط محاولة المعتدى عليهم النجاة، وفَهم من هم هؤلاء، وماذا يريدون. في النصف الأول من فيلمه، يتحرّك جوردان بيلي بشكل تقليدي داخل فكرته المبتكرة. فالفيلم أقرب إلى اقتباسٍ غير معلن من Funny Games، الذي أخرج النمساوي مايكل هانيكي نسختين متطابقتين منه، أولى في النمسا عام 1997، وثانية في الولايات المتحدة الأميركية عام 2007، وهو يروي حكاية عائلة تتعرّض لهجومٍ مجنون وعنيف من قبل مُراهِقَين اثنين، من دون سبب.

في Us، يظهر الأمر نفسه: الحصار والهجوم والخوف والضغط على المُشاهد، لكن مع مساحة غرائبية لتطابق الشكل بين "نحن" و"هم". هذا النصف الأول جيد، لأن بيلي متمكّن فعلاً من خلق أجواء قابضة وضاغطة، وذات طابع كابوسي. لكنها في الوقت نفسه أجواء متوقّعة نسبيًا. تتصاعد الدهشة في الفيلم مع تطوّر أحداثه، بدءًا من مغايرة التوقّع، مع تحوّل العائلة (نحن) إلى الطرف المُهاجِم، الذي يُقرِّر التخلّص من شبيهه (هم)، ثم الذهاب أبعد من كون هؤلاء ليسوا المتطابقين الوحيدين، فهناك الآلاف منـ(هم)، بدأوا اعتداءات أخرى بشكل يشبه الحرب. قبل أن يتصاعد الأمر، في نصف الساعة الأخيرة، أكثر وأكثر، مع تتابع طويل (وعظيم سينمائيًا) في ممرّ طويل، وحوار متعدّد الطبقات والتفسيرات، نهاية بـ"تويست" ذكي للغاية، ليس فقط لأنه التواءة غير متوقّعة، بل أيضًا لأنه في صميم الفيلم وحكايته، والهواجس التي تشغل بال جوردان بيلي في فيلميه.

وكما Get Out، كفيلم رعب متعدّد التفسيرات، يُمكن تناول Us من أكثر من منظور، كأن يتناول بيلي في حكايته الفوارق الطبقية والامتيازات التي يحصل عليها بعض الناس، فتجعلهم نسخًا متحضّرة وآدمية وشكلها جميل، بينما يُحرم آخرون منها، فيكونون أقرب إلى الوحوش. جوردان بيلي يتحرّك داخل هواجس اللحظة الزمنية الحالية في الولايات المتحدة الأميركية، متناولًا الصدام الطبقي، والصدام الإقليمي على الحدود أيضًا، مُعيدًا طرح التساؤلات نفسها التي طرحها قبل أسابيع قليلة، بشكل وسياق مختلفين تمامًا، فيلم "كابتن مارفل" (2019) لآنّا بودِنْ وراين فْليك: من هو العدوّ؟ أين هي المسافة بين "نحن" و"هم"؟ يشير بيلي إلى تلك الأفكار بذكاء ومن دون مباشرة، بخصوص كلّ شيء يتعلّق بفيلمه، حتى اسمه، حيث Us تعني "نحن" وتعني "الولايات المتحدة".

وكما Get Out أيضًا، هناك خطّ كوميدي مُبالَغ به أحيانًا، لأنه يقلِّل من قلق وتوتر ما يحدث، لكنه فعّال في منح الفيلم روحًا مختلفة عن الرعب التقليدي. هناك بداية ونهاية في السيارة على الطريق، من دون أن ينتهي الكابوس كلّيًا؛ وهناك مَشاهد طويلة بتصميم ديكور وتصوير وموسيقى (ألّف مايكل آبلز موسيقى الفيلمين)، مع مساحة سينمائية رائعة. أخيرًا، هناك أداء رائع بعنصريه الحركي ـ الجسدي والعاطفي، وتحديدًا من ليوبيتا نيونغو والطفلة شَاهادِ رايت جوزف.
أما النتيجة فأجمل من المتوقّع، ما يجعل الفيلم الثالث لجوردان بيلي مُنتظرًا منذ الآن، من دون شكٍ هذه المرّة، بل بفضولٍ لمعرفة ما الذي سيُضيفه إلى "عالمه السينمائي".

دلالات

المساهمون