الفيلم المغربي: المال موجود.. الإبداع قليل

الفيلم المغربي: المال موجود.. الإبداع قليل

15 مارس 2019
"غزية" لنبيل عيّوش.. المرتبة الثالثة في الإيرادات (فيسبوك)
+ الخط -
في الدورة الـ20 لـ"المهرجان الوطني للفيلم بطنجة" (المغرب)، المُقامة بين الأول والتاسع من مارس/ آذار 2019، انتصرت "السينما النظيفة"، إذْ لم يُخدش الحياء العام والهشّ. مع ذلك، لم يهطل مطرٌ كاف في طنجة. هذا للذين يفسّرون الجفاف بكثرة القُبل في الأفلام. المُلاحَظ أن عددًا من الأفلام تريد أن تكون كوميدية، لكن حواراتها باللغة الفرنسية. واضحٌ أن المخرج لا يعرف جمهوره جيدًا. 

طيلة أيام الدورة الـ20، لم تُكتب مقالة واحدة عن أفلام المسابقة، بينما طفت تعليقات فيسبوكية عامة، تمتدّ بين كلمتين وعشر كلمات على الأكثر. تعليقات تُصدر أحكامًا قيميّة، من دون ذكر فيلم معيّن، حفاظًا على العلاقات العامة التي ربما تُدرّ "دعوة كريمة"، أو قرارًا بتعيينٍ في لجنة دعم سخيّة.

عادة، بعد عرض كلّ فيلم، تنتشر آراء علنية وأخرى أقرب إلى النميمة. تسري دردشات قاسية تشرِّح الفيلم. يسترجع العارفون تفاصيل التصوير، وكيف أثّرت على النتيجة النهائية. أما في جلسة المناقشة العلنية، فيتلقّى المخرج التهاني، ويتمّ التنديد بمواقف نقّاد أصغر سنًّا، يوصفون بالحاقدين الذين يريدون "تحطيم" الفيلم الوطني و"تشويه" السينما الوطنية.

حساب عسير مع الفعل النقدي، يُنظر إليه كتصفية حساب. النتيجة؟ هيمنةُ الصمت. النقّاد الأكبر سنًّا صامتون بفضل حكمتهم. البديل أنه بعد كل عرض، يكتب المخرج منشورًا فيسبوكيًا عن فيلمه، يهنّئ فيه نفسه. مخرج له فيلم مشارك في المسابقة، يغيب عن مشاهدة الأفلام الأخرى المُشاركة فيها. حين تُعلَن النتائج، يُطلق حكمًا يقول إنّ فيلمَه هو الأفضل، ويحتجّ لأن فيلمه هذا لم يحصل على جائزة يستحقّها.

قبل إعلان نتائج الدورة الـ20، عقد صارم الفارسي الفهري، مدير "المركز السينمائي المغربي"، مؤتمرًّا صحافيًا لعرض حصيلة المشهد السينمائي المغربي طيلة عام 2018. قال إن المغرب هو البلد الثاني على صعيد الإنتاج في أفريقيا بعد مصر. أشار إلى استمرار ازدهار التصوير الأجنبي في المغرب، وإلى منح المركز 691 رخصة تصوير. وصلت هذه المعلومات إلى حسين فهمي، فندّد بالمليارات التي "تُرمى" في المغرب للتصوير، بدلاً من أن تُصرَف في مصر. المغرب حديقة لا مزبلة لرمي الأشياء. أضاف الفهري أنّه تمّ توزيع 164 فيلمًا في المغرب، وأنّ صالات السينما استقبلت مليونًا و562 ألفًا و350 مُشاهدًا، وأن هناك 3 أفلام مغربية احتلّت المراتب الثلاث الأولى في شبّاك التذاكر: "الحنش" لإدريس المريني و"كورصة" لعبدالله توكنة و"عزبة" لنبيل عيّوش. تفسير ذلك أنّ المُشاهِد يبحث عن الفيلم المغربي أولاً، لأنه يريد أن يرى انعكاس هويته ووجهه على الشاشة الكبيرة.



كمعدّل عام، يُنتج المغرب 25 فيلمًا في السنة، اثنان يصلان إلى المهرجانات، واثنان آخران ينجحان جماهيريًا، والأفلام الأخرى تبقى في الظلّ. هذه الكتلة الفيلمية تُقيم في الوسط، فهي لا تُعرض في مهرجانات ولا في صالات. تفسير الفهري يقول إن هناك مخرجين يهمّهم مال الدعم الذي تقدّمه الدولة، ولا يكترثون بوصول أفلامهم إلى المهرجانات. بمجرّد إنهاء أفلامهم التي تبقى في الصندوق، يُقدّمون للّجنة "سيناريو جديدا" للحصول على الدعم مجدّدًا، ويصورّون مشاريعهم. وهكذا.

عام 2018، تمّ إنتاج أكثر من 100 فيلم قصير، لكن جلّها رديء. الهدف من إنتاجها حصول الشركات الناشئة على رخصة إنتاج، فالقانون يُلزم كل شركة بإنتاج 3 أفلام قصيرة لتصير قانونية، فتتمكّن من الحصول على رخصة إنتاج الأفلام. نتيجة لهذه الآلية، لاحظ صارم الفارسي الفهري أن معظم الأفلام القصيرة رديئة، مُعبِّرًا عن تخوّفه من تأثير ذلك على جودة الأفلام الطويلة التي سيُصوّرها مخرجو الأفلام الرديئة تلك.

في العام نفسه، نظّم المغرب 80 مهرجانًا سينمائيًا، بعضها وهمي يعرض أفلامًا مقرصنة توفّر فرجة في مناطق نائية. ردًّا على إغلاق الصالات السينمائية. في هذا الإطار، أكّد الفهري أنّ المال موجودٌ لإصلاحها، مشيرًا إلى أن إحداها تمّ إصلاحها فعليًا، بتكلفة بلغت مليون دولار أميركي، لكنها مغلقة الآن. المشكلة ليست في قلّة الصالات بل في قلّة الجمهور. الحلّ، بحسب الفهري، موجود على المدى الطويل: التركيز على الأطفال، وعلى الاستثمار في مجال التربية على الصورة في المدارس، لاستعادة الجمهور إلى تلك الصالات. لا بُدّ من تنمية ثقافة الصورة.

الخلاصة أنه ترسّخت آلية لدعم الأفلام، وتوفير التمويل. أما المطلوب، فهو الإبداع. المال موجود، والإبداع قليل. المُلاحظ أن صارم الفارسي الفهري تحدّث عن الحصيلة بلغة واضحة، متجنّبًا اللغة الخشبية. سمّى الأشياء بأسمائها من دون أن يُغضِب أحدًا. سرى الصمت في القاعة. لم يقل أحد إن الفهري ناقدٌ يُصفّي حسابات.

أما النتائج، فكانت على الشكل التالي: فاز الوثائقي "نبض الأبطال" لهند بنصاري بالجائزة الكبرى (بالإضافة إلى جائزة المونتاج)، وحصل "امباركة" لمحمد زين الدين على جائزتي لجنة التحكيم والإخراج. جائزتا أفضل ممثلة وممثل مُنحتا لفاطمة عاطف وللمهدي العروبي عن دوريهما في "امباركة"، وجائزتا أفضل ممثلة ثانية مُنحت للطيفة أزليف عن دورها في "مواسم العطش" لعبد الحميد الزوغي، الحاصل على تنويه خاص، وأفضل ممثل ثان لرشيد مصطفى عن دوره في "طفح الكيل" لمحسن بصري. وجائزة السيناريو لياسين ماركو ماروكو ومهدي الخودي وعايدة زغاري، عن "جمال عفينة" لماروكو، الفائز بجوائز الموسيقى التصويرية والتصوير والعمل الأول أيضًا. أما جائزتا لجنة النقاد للفيلمين الطويل والقصير، فكانتا لـ"نذيرة" لكمال كمال و"أغنية البجعة" لليزيد القادري. أما لمياء الشرايبي فنالت جائزة الإنتاج عن فيلمي "طفح الكيل" لكمال و"عاشوراء" لطلال السلهامي.

المساهمون