شوقي الماجري: أسير دمشق وعاشق فلسطين وبيروت

شوقي الماجري: أسير دمشق وعاشق فلسطين وبيروت

11 أكتوبر 2019
المخرج الراحل شوقي الماجري (تويتر)
+ الخط -
لا تبدو السيرة الذاتية لـ شوقي الماجري مُتشعِّبة أو مُعقّدة. امتاز الماجري بميَّزة الهدوء التي حملها معه، حتّى وفاته بسكتةٍ قلبيّة مباغتة في القاهرة، فجر يوم أمس الخميس. ترحاله بين دمشق وبيروت والقاهرة أثرى مسيرة هذا المخرج الشاب بأعمال مختلفة. لم تصطبغ أعماله بواقع معيشي واحد، ولا بلهجة عربية خاصة، بل شملت مسيرته في دنيا الإخراج قضايا وحكايات العالم العربي كله. في 1994، غادر الماجري تونس متوجهًا إلى بولندا، حيث درس في المعهد الوطني للسينما والمسرح، ونال شهادة ماجستير في الفنون السينمائية.

لم يستغل الماجري أعماله، ولم يكن من الذين يسعون لبناء أو تشكيل نواة وماكينات إعلامية تسويقيّة سطحيَّة. وعلى الرغم من طوافه بين عواصم الإعلام العربية كبيروت والقاهرة، فكان يبحث دومًا عن ظل الشخصيات والحالات، وليس عن ظله الشخصي، ويدرك كيف يُبرمج رؤيته للعواصم، ويضيف إليها بطريقةٍ تتماشى مع عمله في عواصم أخرى. كما أنَّ حياة هذا المخرج الشاب كانت بعيدةً دومًا عن فضائح الإعلام والمناكفات السطحيَّة. مثلاً عند زواجه من الممثلة صبا مبارك، وطلاقه منها وتعاونهما الفني معًا، لم تصدر أي تصريحات عدوانيَّة من الطرفين، بل كانت علاقة عاطفيّة مثالية وبعيدة عن الإعلام.

قبل عشرين عامًا، عمل الماجري على تنفيذ عدد من المسلسلات العربية، ومنها تحديداً في سورية. الجزء الثاني من مسلسل "إخوة التراب" هو أغنى تجربة أوَّلية له. سورية يومها كانت تتأهب لنهضة درامية شاملة، كان للماجري يدٌ فيها. ولعل عشقه الذي يعترف به (والذي يؤكَّده كل من عاصر الماجري) لسورية تحديداً، هو ما دفعه لتنفيذ مسلسل "إخوة التراب"، وقلب الصورة الدراميَّة في العالم العربي، وتكريس نجاح مسلسلات السيرة التاريخية. بعدها، جاء مسلسل "الأرواح المهاجرة" عام 2001، والمقتبس عن رواية للكاتبة إيزابيل أليندي.

عرف عن شوقي الماجري أنه كان متيمًا بمكان اسمه سورية. هكذا ينقل عنه أصدقاؤه، وخصوصاً الكاتب سامر رضوان الذي تعاون معه في مسلسل "دقيقة صمت"، الذي تحول إلى آخر أعماله الدرامية. يقول رضوان: "شوقي كان يتحدث بلهجة سورية جميلة، خرجت من حبه وإقامته لوقت في دمشق". ويؤكد رضوان أنَّه كان قد اتفق مع الماجري على إخراج مسلسل "وصايا كانون" عام 2014، لكن القدر لم يمنحهما الفرصة، ولم يُنفَّذ المسلسل الذي طالما تحّدثا عنه، وانتظرا تنفيذه.

كان الماجري واضحاً في نزعته الحسيّة نحو التاريخ. وظهر ذلك بشكل واضحٍ في مسلسل "عمر الخيام" الذي حاز على إعجاب النقاد. وأصبح للماجري منزلة فنية دراميّة في سورية، إذْ تحوَّل التونسي إلى منافس شرس للأعمال الدرامية التي ظهرت تلك الفترة، من خلال الرؤية التي وجدها في دمشق، حيث استطاع أن يكشف عن رأسه وموهبته. دمشق التي دفعته لإخراج المزيد من الأعمال، مثل: "أبناء الرشيد" و"أبو جعفر المنصور"، وهو مسلسل يتناول فترة الخلافة العباسية برؤية سورية، وعين تونسيّة.

من جهة أخرى، كان بحث الماجري الدائم هو فلسطين، تلك البقعة الجغرافية المحتلّة التي عشقها، وطالما حلم بها محررة. عام 2012، قدم الماجري فيلم "مملكة النمل" الذي سطر تحديات الفلسطينيين والرهان على بقاء المقاومة. استرجع برؤية تجاوزت الساعتين الوقائع التاريخية حول زوجين شابين "جليلة" و"طارق" (قام كلّ من منذر رياحنة وصبا مبارك بتأدية دوريهما)، وهما يعانيان من قمع المحتل، لينخرطا في صفوف المقاومة ويتعرضا للسجن والتهديد. "ثيمات" المقاومة والحب، مع روحٍ رومانسيَّة عالية، هو ما صوّره الماجري جيداً في فيلم "مملكة النمل" من خلال قصَّة "طارق" و"جليلة".

قبل عام، عقد الماجري العزم على إخراج مسلسل "دقيقة صمت:، واستطاع لوحده أن يحمل نص الكاتب سامر رضوان إلى عالم مختلف، يبتعد كل البعد عن الأعمال الدرامية المشتركة التي غزت الساحة العربية. ربما ليست صدفة أن يختم شوقي الماجري حياته من دون أن يعلم، من خلال مسلسل خرج من سرب التقليدية، وتحول إلى حالة في الرؤية المشهدية للأحداث التي شكلت أنموذجًا حقيقيًا عن يوميات سورية وبيروت خلال السنوات الأخيرة.

في القاهرة، عمل الماجري على رؤية لم تكن مختلفة عن أسلوبه. اختار بداية العمل على مسلسل "أسمهان"، إذْ كانت محاولةً اختزلت قوة الماجري في العودة إلى السيرة الذاتية غير التاريخية أو السياسية، بقالب بعيدٍ عن الملل التاريخي أو السيرة الذاتية العادية. ركّز الماجري على تجربة الغناء برؤية عربية عند المطربة الراحلة أسمهان التي أثارت في حياتها وموتها، ولا تزال، جدلاً واسعاً. ولعل الماجري قرّب بالصورة بعض أسرار هذه المغنية، ولم يصورها بشكل طوباوي يحتوي على بعدٍ نفسي واحد. بل ظهرت أسمهان في مسلسل "أسمهان"، رغم الانتقادات والدعاوى القضائية ضد المسلسل، امرأةً عاديّة تعيش حياتها، تخطئ وتصيب.
واعتمد الماجري بعدها على الدراما العادية في مسلسل "هدوء نسبي"، الذي حمله مُجدداً إلى الواقع العربي، ولكن إلى العراق هذه المرة. "هدوء نسبي" دراما عربية مشتركة، شكَّلت مشروعه الخاص الذي قرر من خلاله أن يظهر ما حصل في العراق، البلد الذي عاش مرحلة مأساوية، ما زالت آثارها ماثلة في أذهان الكثيرين. آنذاك، قال الماجري عن المسلسل: "أحببت أن أترك من خلال (هدوء نسبي) بصمتي الخاصة، ومشاركتي الشخصية في القضية التي هزت مشاعر كل العرب لفترة طويلة". اعتمَد الماجري في "هدوء نسبي" على الأسلوب الدرامي أكثر من التوثيق التاريخي، واهتمَّ بشكلٍ عميقٍ بالجانب الإنساني، وأدرك منذ اللحظة الأولى حساسية الموقف، كونها قضية عربية، لذلك تعامل مع كل الأحداث بدقة شديدة، وتناوَل كل التفاصيل بحذر شديدٍ، كي لا يقع في مطب الانحياز أو التعبير لمصلحة جهة ضد أخرى.

دلالات

المساهمون