ممدوح حمادة:دراما سورية توجع بنعومة

ممدوح حمادة:دراما سورية توجع بنعومة

04 ابريل 2015
مشهد من مسلسل "الحقائب - ضبو الشناتي" (العربي الجديد)
+ الخط -
لا مكان لليافطات العريضة بثقلها الأيدلوجي في دراما ممدوح حمادة، هي تغيب عن حوارات شخوصه، ولكنها تنبض بتفاصيل حياتهم الصغيرة/حياتنا نحن أبناء الوطن البسيط، بوصفنا مشروع حمادة الذي لا يتغير، مهما تغيرت أدوات التعبير عنه. رغم بساطة شخصيات ممدوح حمادة، إلا أن نصّه الدرامي الذي يجمعهم لا يمكن أن يكون بسيطاً، إذ يمكن الحديث عن عتبات للنص الذي يكتبه صاحب (الخربة)، أبسطها تلك الضحكة التي تختزن الوجع على نحو علني، وأبلغها مقولات تكاد تحتشد بين السطور، حتى يخال لنا أنها نص ثان ينبض ضمن ثنايا النص الظاهر.

ذلك الترتيب المقصود لعتبات النص ومخزونه، كما نفترضها نحن، لا تبدو أنها تشغل ممدوح حمادة، فيؤكد صاحب "ضيعة ضايعة" في حواره مع "العربي الجديد" أنه يكتب بشكل تلقائي، ودون التفكير في هذا الأمر، ولكنه يستدرك ذلك بالقول: "بطبيعة الحال لا أطمح من خلال الكتابة أن أروي نكتة فحسب، بل أحاول جعل الكلمة عربة أحمّلها بكل ما تسمح به قدرة هذه الكلمة على الحمل، فلا أجعل حملها فوق قدرتها لكيلا تظهر مفتعلة، ولا أقل من حملها لكيلا تبدو فارغة".

ويضيف:"كما في اللوحات التشكيلية، المشهد الذي في الواجهة لا يعني كل اللوحة، ففي النص الذي يعتمد الكتابة كأداة تعبير له لا يختلف الوضع كثيراً، وأنا أظن أن الإنسان عبر أداة التعبير الأدبية يمكنه أن يقدم خلفية أغنى للوحة، عبر ما يوحي به من مقولات مختلفة لخيال المتلقي الذي يعثر أحياناً على مقولات لم يتقصدها الكاتب، وتفوق قدرة النص الأدبي، في ذلك، قدرة اللوحة التشكيلية التي تخاطب البصر؛ الأمر الذي يحد من قدرتها على تفعيل النشاط الخلفي في اللوحة أو ما نسميه في النص الأدبي ما بين السطور، ولكن هذا يحدث بشكل تلقائي كما ذكرت، دون تخطيط مسبق للموضوع".

الكتابة ما بين السطور في الدراما، هي بالغالب تستهدف مشاهداً ذكياً ورقيباً ساذجاً، وذلك انطباع تكرسه نصوص ممدوح حمادة الدرامية بعمقها وجرأة مقولاتها المغلفة بالضحكة وبسذاجة من يقولها.

نسأل حمادة كيف استطاع تمرير تلك المقولات من تحت مقصلة الرقيب، فيجيب: "الهدف من الكتابة بالنسبة لي هو بثّ رسالة ما إلى متلق موجود على الأرض، ولذلك فمن المطلوب مني مراعاة ثلاث نقاط مهمة وأساسية عند بث هذه الرسالة، أولها: وضع هذا المتلقي، وهو المتنوع قبل كل شيء، وبالتالي يجب أن تكون رسائلي له متنوعة في مضمونها ومستوياتها، وثانيها مقص متربص هو ما نسميه بالرقيب الذي يقف حائلاً بين الرسالة والمتلقي، وثالثها هي الوسيلة التي تحمل هذه الرسالة، وهي في حالتنا هنا التلفزيون".

ويتابع : "بما أن هدفي الأساسي هو إيصال الرسالة فأنا لا أجعل المواجهة مع الرقيب غايتي، فهو بوسعه منع وصول الرسالة إلى المتلقي، كونه يسيطر على الوسيلة التي تبثها، فضلاً عن أنني أدرك تماماً طبيعة هذا الرقيب وكيفية الالتفاف عليه، بل وأحياناً أشعر بمتعة خديعته، فالرقابة كآلية تشبه إلى حد كبير جهاز كمبيوتر، تم توليفها على المفردات لا على المعاني، رغم أن هناك من يتجاوز ذلك في هذه المؤسسة أحياناً".

شخوص ممدوح حمادة لا تقل إثارة عن نصوصه وهي مثلها تحتمل الكثير من التأويل، يقدمها حمادة ببناء شديدة الواقعية على نحو يخال أنه عايشها، ولكن كيف يكون ذلك وهو مقيم في بيلاروسيا، وهل يعتمد على شاهد عيان لتعويض عدم معايشتها عند كتابة نصوصه؟
يقول حمادة: "أعرف الكثير من الشخصيات التي طرحتها في أعمالي شخصياً، بعضها عن بعد وبعضها عن قرب، ولكنني أتعامل مع هذه الشخصيات كبذرة أقوم بتنميتها لتصبح كما تعرفونها، وأقوم في معظم الأحيان بتطعيم الشخصية بشخصيات أخرى، كما أنني في بعض الأحيان لا أستخدم الشخصية التي أعرفها بشكل كامل على الشاشة، حيث أقوم بحذف بعض مواصفاتها وأبقي على مواصفات أخرى لغايات درامية".

ويضيف: "سأعطيك على سبيل المثال شخصيتين ربما تكونان متناقضتين، ولكنني استقيتهما من شخصية واحدة في الواقع، وهما شخصية أسعد في (ضيعة ضايعة) وشخصية سمعان في (الخربة)، أمّا ابتعادي عن الوطن فهو لا يغير في الأمر شيئاً فالطباع البشرية واحدة أينما ذهبت، يختلف فقط طريقة التعبير عنها، وبكل الأحوال فقد مررت في وطني بتجارب كثيرة، وعايشت الناس في مختلف مجالات الحياة، ولدي مخزون كبير من الشخصيات، كما أن البلدان التي أعيش فيها لا تخلو من هذه الشخصيات أيضاً".

حتى وقت قريب كان من النافر أن نسأل كاتباً لمن تكتب من ناس بلدك؟ إلا أن الانقسام الحاد الحاصل اليوم بين سوريين، وتمترس كل طرف منهم خلف معتقداته وتطرفه حد رفض كل رأي لا يتفق معه، جعل ذلك السؤال عادياً، وربما ضرورياً، وخصوصاً لأولئك الذين تصدوا لكتابة دراما تحاكي ما حدث ويحدث على الأرض منذ 15 مارس/آذار 2011، ومنهم ممدوح حمادة الذي كتب نصين اثنين، أحدهما تناول ما حدث بشكل مباشر هو (الحقائب- ضبو الشناتي)، والثاني حمل في مضمونه إسقاطات مباشرة لما حدث وقد يحدث هو مسلسل (الخربة).

نسأل ممدوح لمن كتبت هذين النصين؟ فيجيب: "ما يهمني في جميع ما طرحت هو الجانب الإنساني الذي يصور معاناة الإنسان العادي في زمن الحرب، وبما أن المعاناة تقع على الجميع فأنا اعتبر أن نصي موجه للجميع، ولأن ما من عمل بطبيعة الحال يستطيع أن يغطي كل النقاط المتعلقة بموضوعه، فقد اكتفيت بالإشارة إلى مختلف القضايا بشكل مكثف، وتقديمها بالصورة التي تكون فيها أقل أذى، انطلاقاً من نوع العمل نفسه الذي يحتوي على مساحة كوميدية، ومن العوامل الثلاثة التي تحدثت عنها في البداية والتي تحكم أي عمل درامي".

ويكشف ممدوح حمادة أنه كتب ما يقارب 15 حلقة من "الخربة" قبل مارس 2011؛ إلا أنه ارتكز كثيراً على ما جرى في تونس ومصر، وكان محاولة لتصوّر الشيء نفسه إن حدث في سورية؛ وهو ما حدث فعلاً أثناء تصوير العمل وكتابة الحلقات الأخيرة منه، وفي متنها كان هناك عملية تشريحية تتحدث عن الطرق المسدودة التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى ما رأيناه في نهاية العمل.

المساهمون