القصة الحقيقية لقبّة الخزنة في دمشق ترويها أريانا رامباخ

القصة الحقيقية لقبّة الخزنة في دمشق ترويها أريانا رامباخ

18 فبراير 2019
أريانا رامباخ: مخطوطات القبة كنز مشتت (العربي الجديد)
+ الخط -
تعدّ الموادّ التي عُثر عليها في الجامع الأموي بالعاصمة السورية دمشق (نحو مئتي ألف قطعة مجتزأة) من أهمّ الاكتشافات في عالم المخطوطات، وإن لم تشتهر على نطاق واسع.

هذا الكنز بقي محفوظاً لقرون في "قبة الخزنة" منذ القرن الثامن الميلادي، واكتشف أكاديمياً نهاية القرن التاسع عشر، مع سماح السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لبعثة ألمانية باستخراج مخطوطاتها، ودراستها.

وفي محاضرتها بمتحف الفن الإسلامي في الدوحة مساء أمس، قدمت أريانا دوتونه رامباخ، الأستاذة في المعهد الإيطالي للدراسات الشرقية بجامعة روما قصة هذه القبة، بوصفها من القلائل الذين سمح لهم بمعاينة ودراسة هذه المخطوطات، في دمشق وإسطنبول وبرلين.

وترى المحاضِرة أن هذه المخطوطات تسمح بإلقاء الضوء من جديد على الدور الهامّ الذي أدّته سورية، ودمشق تحديداً، خلال الفترة الانتقالية من أواخر العصور القديمة وحتى العصر الإسلامي منذ القرن السابع وما بعده.

والقصة كما ترويها رامباخ تتعلق بكنز مبعثر بين متاحف العالم، وتحديداً دمشق وبرلين وإسطنبول، وهذه الأخيرة تشتمل على الحصة الكبرى من هذه القطع المجتزأة المكتوبة بلغات متنوعة، بما فيها العربية، السريانية، الآرامية، الأرمينية، الجورجية، القبطية، اليونانية، اللاتينية والفرنسية القديمة.

وخلاصة القول عندها، أن هذه الآلاف من المخطوطات مكتوبة بعدد وافر من اللغات، بما يقدم دمشق مدينة مثالية لدراسة ظاهرة الاستمرارية الحضارية والثقافية واللغوية بين العصور القديمة والعصور الوسطى، وتعدد الهويات، الأمر الذي ينطبق على الجامع الأموي ذاته، فقد كان معبداً للإله الآرامي حدد، ثم معبد جوبيتير في العصر الروماني، ثم كنيسة القديس يوحنا المعمدان، وأخيراً الجامع الأموي عام 705.

بنيت قبة الخزنة التي كانت تسمى "قبة المال" في الثلث الأخير من القرن الثامن بعد نهاية الدولة الأموية وبداية عصر العباسيين، تحت رعاية والي دمشق الفصل بن صالح العباسي، ورفعت على ثمانية أعمدة، يُصعد إليها بسلّم متحرك، ولها باب حديدي قوي، وُضعت فيه هذه النفائس.

وتشير رامباخ إلى أن مخطوطات القبة لم تدرس كما ينبغي، لافتة إلى المؤتمر الأول الذي عقد لهذا الشأن في العاصمة الألمانية برلين يونيو/ حزيران 2018، بهدف فتح الباب أمام الباحثين لقراءة القطع المجتزأة من هذه المخطوطات الموزعة في العالم.

وتبين أستاذة الدراسات الشرقية أن من بين المخطوطات صفحات من القرآن تعود للقرن الهجري الأول، وكتابات قبطية تشير إلى وجود قبطي خارج مصر، وكتابات عربية بأحرف لاتينية، ومخطوطات يهودية ومسيحية، وقطعاً أدبية، ووثائق قانونية إسلامية، ووثائق الحج وعقود الزواج والطلاق، وغيرها.

وعرضت رامباخ قصة مقتنيات القبة بين برلين وإسطنبول مع نهاية القرن التاسع عشر، حين زار الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني دمشق عام 1898، ضمن رحلته إلى الديار المقدسة، وتعرّف بصحبة زوجته أوغستا فكتوريا إلى القبة، ثم طلب من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني السماح بفتحها، لإجراء دراسات على محتوياتها، الأمر الذي تحقق، وفتح والي دمشق ناظم باشا القبة أمام الباحث الألماني الشاب برونو فيوليت الذي بدأ مهمته في مايو/ أيار 1900.

وتمضي رامباخ قائلة إن الدراسات العلمية الأولى نشرت بعد أشهر من البعثة الألمانية، وإن ألمانيا استعارت بعض المخطوطات وجرى تصويرها فوتوغرافياً، مشيرة إلى أن الدراسات الألمانية اهتمت بشكل حصري بالموادّ غير العربية، مركزة على النصوص اليهودية والمسيحية المكتوبة بلغات أخرى كاليونانية والعبرية والسريانية وغيرها.

قبة الخزنة احتفظت بالمخطوطات لقرون (Getty)

توقفت الدراسات مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وتوزعت مخطوطات القبة في العالم، لكن أغلبها محفوظ في متحف الفن التركي والإسلامي تحت اسم "أوراق دمشق"، إذ تولى عالم الآثار العثماني عثمان حمدي بيك الإشراف على نقلها. أما الباقي فموجود في برلين وفي المتحف الوطني، ومتحف الخط بدمشق، تقول الباحثة.

وتلفت رامباخ النظر إلى البعثة الفرنسية، التي عادت في ستينيات القرن العشرين لدراسة هذه المخطوطات، إلا أن المؤتمر الذي عُقد العام الماضي ذهب إلى المكان الصحيح، حيث يجب أن يدرس فيه هذا العدد الهائل من القطع، هذا المكان الذي يركز على ثلاث مدن معنية بالأمر هي دمشق وبرلين وإسطنبول، بمشاركة خبراء من العالم، لقراءة هذه الشظايا الموزعة، ومتابعة ما بدأه علماء آثار قبل مائة عام مثل الألمانيين هيرمان فون سودن، وبرونو فيوليت.

دلالات

المساهمون