فلسطين في السينما: أفلام ومهرجانات وسباق إلى "أوسكار"

فلسطين في السينما: أفلام ومهرجانات وسباق إلى "أوسكار"

16 سبتمبر 2017
آن ـ ماري جاسر (فيسبوك)
+ الخط -
لن يكون فوز الفلسطيني كامل الباشا (1962) بجائزة أفضل ممثل، عن دوره في "قضية رقم 23" للّبناني زياد دويري (1963)، في الدورة الـ 74 (30 أغسطس/ آب ـ 9 سبتمبر/ أيلول 2017) لـ "مهرجان البندقية السينمائيّ الدوليّ (لا موسترا)"، أول حضور فلسطيني دولي جديد، عبر السينما، في الآونة الأخيرة.

"قضية رقم 23"، المُقدَّم في مهرجان البندقية نفسه (عرض دولي أول)، يتناول جانباً من فلسطين، عبر العلاقة المعقّدة والمعلّقة والمرتبكة بين فلسطينيين ولبنانيين، منذ "سبتمبر/ أيلول الأسود" (1970) لغاية اليوم، مروراً بالحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، وتحديداً مجزرة الدامور (يناير/ كانون الثاني 1976)، التي يُنفِّذها فصيلان من الفصائل الفلسطينية الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

هذا كلّه منبثق من صدامٍ يقع بين لاجئ فلسطيني إلى لبنان، يُدعى ياسر سلامة (الباشا)، يتولّى إدارة أعمال ورشة أشغال عامة في حيّ مسيحي في بيروت، حيث يقع خلافٌ بينه وبين طوني حنا (عادل كرم)، المسيحي القوّاتي (نسبة إلى مليشيا "القوات اللبنانية") المتشدّد في دفاعه عن قائديها بشير الجميل وسمير جعجع. والخلاف يؤدّي إلى شتيمة، والشتيمة إلى إهانة (عنوان الفيلم بالإنكليزية)، فتتطوّر المسائل لتبلغ أروقة المحاكم، ويتدخّل سياسيون وإعلاميون ومناصرون ومستفيدون كثيرون من المشكلة.

نتيجة الاضطرابات الكثيرة، والأحكام المسبقة، والانغلاق على الذات، وعدم طرح الأسئلة بحثاً عن أجوبة ما على الأقلّ؛ سينبته الرجلان إلى المآزق الجمّة، التي يُمكنها إصابة الجميع من دون استثناء، فيُراجعان نفسيهما، كمن يقف أمام مرآة ذاته لتعريتها والتنبّه إلى أحوالها، في محاولة جدّية لمصالحة وغفران.

فوز كامل الباشا يأتي في سياق حضور سينمائيّ فلسطيني في دول تصنع السينما، وفي مهرجانات تُشكِّل مساحات ثقافية وفنية وإنسانية وجمالية مفتوحة على شتّى أنواع الأسئلة والسجالات والمقاربات. كما أن الحضور السينمائيّ الفلسطيني الجديد امتداد لحضور مماثل، منذ وقتٍ بعيد، في محافل دولية عديدة.

والفوز يُعلَن في "لا موسترا الـ 74" بعد أيامٍ على إعلان اختيار "واجب"، الروائي الطويل الثالث للفلسطينية آن ـ ماري جاسر (1974)، لتمثيل فلسطين في المرحلة الأولى لجائزة "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، في دورة عام 2018.

ورغم أن "أكاديمية فنون السينما وعلومها" في هوليوود، مانحة جوائز "أوسكار" الخاصّة بصناعة السينما الأميركية أساساً، لن تتبنّى الاختيار، ولن تعتبره "ترشيحاً رسمياً"، لأن الترشيحات الرسمية تكون حكراً على 5 أفلام فقط، يتمّ اختيارها لاحقاً؛ إلاّ أن الخطوة الفلسطينية هذه تأكيد إضافيّ لواقع سينمائيّ فلسطيني، يقول بقدرة سينما ذاك البلد ـ المنكوب باحتلالٍ إسرائيلي وتخلّ دولي ـ على تجاوز عوائق عديدة، إنتاجاً وتصويراً وإنجازاً وتوزيعاً وعروضاً وسجالاتٍ مختلفة، وعلى أن تكون مرايا اجتماع وأناسٍ وأحوال وذاكرة وراهن، وإنْ كانت كلها تحتاج إلى قراءات نقدية لاحقة للمُشاهدة، يُفترض بها (القراءات) أن تقارب السينمائيّ فيها، بالتزامن مع نقاشات حول مواضيعها وأساليب المعالجة والمضامين المبطّنة والظاهرة.

"واجب"، المعروض أولاً في الدورة الـ 70 (2 ـ 12 أغسطس/ آب 2017) لـ "مهرجان لوكارنو السينمائيّ" (سويسرا)، يتابع مساراً سينمائياً وإنسانياً تصنعه آن ماري جاسر في أفلامٍ، تغوص في تشعّبات اللحظة الفلسطينية ـ ماضياً وحاضراً، وحاضراً عبر الماضي أيضاً ـ من خلال أفرادٍ يعكسون شيئاً من ارتباك التاريخ الفلسطيني.

فبعد "ملح هذا البحر" (2006)، الذي تستعيد فيه حكاية الأجداد، أيام النكبة (1948) وما قبلها بقليل وما بعدها بكثير، من خلال حفيدة تعود إلى بلدها الأم بحثاً عن تفاصيل هذا التاريخ وحقوق أبنائه وأبناء البلد المحتلّ، ما يؤدّي إلى مواجهة بين التاريخ نفسه والراهن المضطرب والمعلَّق.

وبعد "لما شفتك" (2012) الذي تتناول فيه مصائب فلسطينيين يُهجَّرون مجدّداً إثر هزيمة "حرب الأيام الستة" (5 ـ 11 يونيو/ حزيران 1967)، عبر قصّة صبيّ ينتظر ظهور والده المفقود، ويعاني ألم التمزّق والصدمات والمنافي والقتال الفدائيّ، ويعيش رفقة أمّه المُصابة، هي أيضاً، بكثيرٍ من المواجع والتحدّيات؛ تركِّز آن ـ ماري جاسر جديدها "واجب"، المُشارك في المسابقة الرسمية للدورة الـ 61 (4 ـ 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2017) لـ "مهرجان لندن السينمائيّ"، على لقاء متأخّر بين ابن (صالح بكري) ووالده (محمد بكري)، من أجل عرسٍ يُفترض به أن يتمّ وفق تقاليد فلسطينية، ما يفتح أبواباً كثيرة عن مخفيّ في ماضي علاقة غير سوية بينهما.

فلسطيني ثالث يحضر في محفلٍ سينمائيّ دوليّ، مرة جديدة، بفيلمٍ يُنجزه في هوليوود، بعيداً عن فلسطين وناسها، هو هاني أبو أسعد (1961). فبعد "المتخصِّص" (2012)، المنتمي إلى الـ "ثريلر" التشويقي؛ يُنجز أبو أسعد "الجبال بيننا" (2017)، وهو فيلم تشويقي أيضاً، "سيُطعَّم بأسئلةٍ عن الحياة والوجود والمستقبل".

في الأول، هناك "ساعي بريد" يعمل لدى أناسٍ "متورّطين" في أعمال جُرمية، يُكلَّف بمهمّة إيصال غرضٍ، يتعرّض بسببه لمطاردات ونزاعات وصدامات شتّى، بينما تنتقل "المطاردة"، في الثاني، إلى عوالم وأحوال أخرى: طبيب جرّاح (إدريس ألبا) وصحافية (كايت وينسلت) يتعاضدان معاً من أجل البقاء على قيد الحياة، بعد سقوط الطائرة، التي يستقلاّنها في رحلة عمل، في مناطق برّية. وهذا وحده كافٍ للتنبّه إلى حجم المطبّات المختلفة، التي سيتعرّضان لها أثناء "رحلة العودة".


المساهمون