الاحتلال الإسرائيلي البيئي في معرض: "عنف سريع وبطيء"

الاحتلال الإسرائيلي البيئي في معرض: "عنف سريع وبطيء"

25 يوليو 2019
نظرة معاكسة لكل منطق حقوق الإنسان (العربي الجديد)
+ الخط -
بين أروقة مركز خليل السكاكيني الثقافي في مدينة رام الله، دشنت وكالة الاستقصاء المعماري Forensic Architecture، قبل أيام، معرضها "عُنف، سريع وبطيء" الذي يعرض لتحقيقين استقصائيين من فلسطين في أماكن متجاورة: أحدهما في النقب والآخر في غزة، ليصبح التدمير البيئي وسيلة لإنشاء الحدود. 

يؤكد مدير مركز خليل السكاكيني الثقافي، يزن الخليلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن وكالة الاستقصاء المعماري، هي وكالة دولية تعمل في أكثر من مكان في العالم، متخصصة بالبحوث الاستقصائية، حيث يتضمن المعرض تلك الاستقصاءات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وتعمل في نظرة معمارية للأحداث، بحيث تفتح العمارة من مجرد بناء وهندسة إلى مفهوم الفراغ.

يتحدث المعرض الذي يتواصل لأكثر من ثلاثة أشهر، بشكل أساسي عن تدمير الاحتلال الإسرائيلي للبيئة في المنطقة الشرقية من قطاع غزة باستخدام مبيدات الأعشاب، من أجل تحويل محيط غزة إلى منطقة حدودية جرداء، بينما يتحدث التحقيق الآخر عن منطقة أم الحيران في النقب من قتل وتهجير للسكان ضمن محاولات تفريغ المنطقة، إذ إن إسرائيل تحاول تفريغ السكان باستخدام آليات العنف.

يعمل مركز خليل السكاكيني أن تكون استضافته للمعرض نقدية وليست احتفائية، إذ يقول مدير المركز إنه "من الضروري معرفة ما يلي: هل نحن ما زلنا محتاجين أن ندرك أن إسرائيل تستخدم العنف وتعمل على تهجير السكان؟".
يحاول المركز العمل على إيجاد نظرة معاكسة من فلسطين لكل منطق حقوق الإنسان والتفكير من خلاله، إذ إن المعرض الذي يحوي وسائط متعددة ومسردا زمنيا للأحداث ورسومات وخرائط، وسيعمل المركز على إقامة ندوات يستضيف فيها حقوقيين ومعماريين وباحثين ومفكرين لنقاش كل منطق حقوق الإنسان، بينما يأمل المركز أن تتشكل وجهة نظر في فلسطين أكثر وضوحا لمنطق وعمل مؤسسات حقوق الإنسان.

تتقاطع مؤسسات حقوق الإنسان في عملها، مع المعرض والبحثين الاستقصائيين، إذ يوضح مدير عام "مؤسسة الحق" شعوان جبارين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جزءا من عمل مؤسسات حقوق الإنسان يتقاطع مع المعرض من حيث التوثيق والمناصرة، هكذا نتكامل مع بعضنا البعض". يضيف: "أيضا هناك خطاب مرتكز لأبحاث، ويوظف التكنولوجيا، وهو ما سهل علينا عرض هذه الأبعاد، لأنه في لحظة معينة نحن بحاجة للدعم والوثائق والتقارير المتخصصة وهم يستطيعون أن يقوموا بذلك".

جبارين يشير إلى أن التعرض لموضوع البيئة هو حديث عن الوسط الذي يعيش فيه الإنسان ومستقبله النمائي ويتقاطع مع المكان والنقاش حوله وتأثير ما يجري على المكان وما يتطلبه ذلك من فحوصات وأبحاث، وهنا يترافق ذلك بالحديث عن الجريمة وأبعادها على المجتمع والاقتصاد والبيئة، علاوة على أن المناخ هو مستقبل البشرية، فيما يؤكد جبارين أن "إسرائيل تعتدي على البيئة من دون مراعاة حقوق الفلسطينيين، وكذلك تستخدم التهجير والاضطهاد والهدم وتفريغ السكان بشكل عنصري مرتكبة جريمة ضد الإنسانية". 

ويرى جبارين أن هذه التحقيقات توفر منصة جديدة للخطاب، وتضيف لمنصة حقوق الإنسان خطاباً وأسلحة وتجريما جديدا، إذ إنها تستخدم تقنيات وتكنولوجيا وتصوير بالأقمار الصناعية وتربطها بالفيديو، وهي توضح بشكل علمي ومنهجي ما يجري، وهو أمر يخدم خطاب حقوق الإنسان والعدالة والقانون الدولي.
يقدم مركز الطبيعة المعاصرة التابع لوكالة الاستقصاء المعماري، في هذا المعرض، تحقيقين واسعي النطاق أجراهما في فلسطين، حيث تتمثل النكبة المستمرة في كلٍ من نزوح الناس وتحول البيئة، ويتعلّق التحقيقان بأماكن متجاورة: أحدهما في النقب والآخر في غزة، وفي كلا الموقعين أصبح التدمير البيئي وسيلة لإنشاء الحدود؛ ففي غزة، يُوظّفُ التدمير البيئي كجزء من إنتاج الحدود وتحصينها، ويُمارس في النقب كوسيلة لتسليح حدود الصحراء المكشوفة، وفي كلتا الحالتين، فإن الدمار البيئي المتزايد يصطحب معه قوّة مُهلكة.

وتصف هذه التحقيقات أشكالاً من الدمار البطيء والسريع، وهو ما يوسع طريقة التفكير حول العنف في سياق الهيمنة الاستعمارية، وفي هذا المعرض الذي يستمر لمدة ثلاثة أشهر يتم من خلال استضافته في مركز خليل السكاكيني تسليط الضوء على المنطق الذي تُبنى عليه ممارسات حقوق الإنسان واللغة التي توظّفها.

ويعتبر المركز أن عرض أعمال الوكالة للمرّة الأولى في فلسطين محاولةً تهدف بالأساس لفهم ممارستها؛ فهي وكالة دولية تتناول فلسطين في أبحاثها وأعمالها، وتستهدف الجمهور العالمي والغربي الذي يتعامل مع القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني من منطلق حقوق الإنسان والقانون الدولي، لا من منطلق أن ما يحدث هو استمرار لمشروع استعماري إحلالي بدأ منذ أكثر من 100 عام.

ويُكرّس مركز الطبيعة المعاصرة (CCN)، أحد أقسام الأبحاث في وكالة "الاستقصاء المعماري"، جُهودَه لدراسة العنف البيئي، حيث ينطلق هذا المركز في دراساته مفترضًا أن علينا اليوم أن نفهم الطبيعة بصفتها مشروعًا تاريخيًا قائمًا، رغم النظرة التاريخيّة التي تستوعب الطبيعة على أنها تشكّل خلفية ثابتة وأبدية للنشاط البشري، حيث إنه في عصر الأضرار البيئية الهائلة والتغير المناخي السريع الناشئ بفعل البشر، يجري تحديث "الطبيعة المعاصرة" جنبًا إلى جنب مع تاريخ البشرية، متفاعلةً ومتشابكةً معه، فيما يعدّ الصراع جزءًا رئيسًا من التغيرات البيئية ذات المنشأ البشري، وقد يكون العُنف ضد البيئة بطيئًا ومتفرّقًا وغير مباشر، ولكنه يتجسد بأشكال الهيمنة الاستعمارية والعسكرية.
ووكالة الاستقصاء المعماري عرضت أعمالها في العديد من المعارض والمتاحف حول العالم، وحصدت كمًّا من الجوائز، وترشحت لجائزة تيرنر، استُخدمت تحقيقاتها في العديد من المحافل والمحاكم الدولية لإثبات حالات انتهاك قوانين حقوق الإنسان في الأرجنتين وكولومبيا وسورية والبحر المتوسط، حيث كان لفلسطين نصيب كبير من تحقيقاتها ومشاريعها، من بينها تحقيق حول استشهاد الفتى نديم نوارة.

وتُجري Forensic Architecture، بصفتها وكالة أبحاثٍ، تحقيقات حيّزيّة ووسائطيّة متقدمة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وتعمل على ذلك برفقة جهود من المجتمعات المتأثرة بالعنف السياسي، ومنظمات حقوق الإنسان، والمدّعين العامّين الدوليين، وجماعات العدالة البيئية، والمؤسسات الإعلامية أو بالنيابة عنها.

المساهمون