"الميدان" وأسئلة الفنون والمُثُل العليا

"الميدان" وأسئلة الفنون والمُثُل العليا

05 فبراير 2018
من "الميدان" لروبن أوستلوند (موقع مهرجان "كانّ")
+ الخط -
منذ حصوله على "السعفة الذهبية" لمهرجان "كانّ" السينمائيّ الدولي، في دورته الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017)، يُثير السويدي "الميدان" (إنتاج مشترك مع ألمانيا وفرنسا والدنمارك والولايات المتحدّة الأميركية) لروبن أوستلوند (1974) نقاشاتٍ مختلفة، تميل غالبيتها إلى الإيجابيّ فيه، على مستوى السينما والمعالجة والأسئلة المطروحة. مُشاركاته في جولات دولية عديدة تُزيد شغف الانتظار، واختياره لعرضٍ واحد فقط، في الدورة الـ 24 (24 يناير/ كانون الثاني ـ 4 فبراير/ شباط 2018) لـ "مهرجان السينما الأوروبية" في بيروت، دافعٌ لامتلاء صالتي "متروبوليس" (الأشرفية) بكاملهما، رغم أن كلاماً يتردّد منذ وقتٍ حول بدء عروضه التجارية اللبنانية بعد أسابيع قليلة.

حكاية تمزج فنوناً بتساؤلاتٍ، وتطرح عناوين لجدلٍ غير منتهٍ، وتُقدِّم أداءً جميلاً في حبكة متماسكةٍ ومعالجة متينة الصُنعة السينمائية، وتدفع لجنة تحكيم "كانّ"، برئاسة الإسباني بيدرو ألمودوفار، إلى منحها الجائزة الأولى للمهرجان الدوليّ الأول. لكن الفنون، المتداخل بعضها بالبعض الآخر، لن تكون أساسيّة، بل منطلقاً لأقوالٍ تتناول وقائع العيش، وتتأمّل في أحوال الناس، وتروي فصولاً من ارتباطاتهم وهواجسهم وأفكارهم وانفعالاتهم ومخاوفهم.

وهذا كلّه عبر شخصية كريستيان (كلاوس بانغ)، القيّم على متحفٍ للفن المعاصر، و"الداعم الدائم لقضايا نبيلة". لديه عرضٌ فنيّ، يحمل اسم "الميدان"، ويرتكز على دعوةٍ موجّهة إلى الزوّار، كي يتنبّهوا إلى الغير، ومذكّراً إياهم بدورهم كبشرٍ مسؤولين تجاه غيرهم من الناس. هذا، بحدّ ذاته، كافٍ لجعل النصّ (سيناريو روبن أوستلوند) نواة مفتوحة على كمٍّ من التساؤلات الحياتية والفكرية والروحية والإنسانية. لكن، في بعض الأحيان، يصعب على المرء أن يرتقي إلى مستوى مُثل عليا يرتضيها لنفسه، ما يؤدّي به إلى نوعٍ من تعرية فاضحة لمكنونات ذاته وخفاياها. فما إنْ يتعرّض كريستيان لسرقة هاتفه، حتى يقع ضحية مواقف مخزية، تكشف هشاشة إعلاناته وتأملاته.

في موازاة ذلك، يُطلق المتحف حملة لـ "الميدان"، العمل الفني لكريستيان، لكن الاستجابة تأتي بشكلٍ غير متوقّع، ما يُدخل كريستيان والمتحف في "أزمة وجودية".

الأزمة الوجودية، إنْ يصحّ استخدام التعبير هذا في معرض التعليق على فيلمٍ آخر، ستكون جوهر الفخّ الذي يقع فيه جورج، الناقد الموسيقي في صحيفة نمساوية في فيينا، منذ عقودٍ طويلة. ففي "الفأر البرّي" (مفردة "الفأر" بالإنكليزية تعني أيضاً "فأر الحاسوب") لجوزف هادر، يجد جورج نفسه، فجأة، من دون عمل، بعد أن يطرده رئيس التحرير بشكلٍ مفاجئ. لن تكون الأسباب مهمّة، فالأزمة الوجودية تتمثّل بانعدام قدرة جورج على التأقلم مع وضعه الجديد، خصوصاً أن وضعه المادي يسوء، وأنه يخفي الأمر عن زوجته جوانا، المعالِجَة النفسية المنشغلة، كثيراً، برغبتها في الحمل. لكن، وبمساعدة إيريك، صديقه من أيام الدراسة، يُخطِّط جورج للانتقام، وفي الوقت نفسه يُساعد إيريك على إصلاح القطار المعطَّل في "مدينة الملاهي"، في فيينا.

دلالات

المساهمون