"ريداوتبل"... أن تكره غودار وتصنع فيلماً عنه

"ريداوتبل"... أن تكره غودار وتصنع فيلماً عنه

20 نوفمبر 2017
المخرج ميشيل هازانافيسيوس (Getty)
+ الخط -
قبل بداية الدورة الأخيرة من مهرجان "كان" اعتبر فيلم Redoubtable من أكثر الأفلام المنتظرة: من ناحية، هناك طاقمه ومخرجه، ميشيل هازانافيسيوس، الفائز بجائزة الأوسكار عام 2011 عن فيلم "الفنان"، ومن الناحية الأهم، لأنه سيرة ذاتية لواحد من أهم صناع السينما جان لوك غودار، وفي فترة غنية جداً من التاريخ الفرنسي الحديث؛ أثناء مظاهرات مايو/ أيّار 1968، وكيف تفاعل معها.

ولكن مع مشاهدة الفيلم ضمن عروض "بانوراما الفيلم الأوروبي" في القاهرة، كان واضحاً أن هازانافيسيوس لا يتعامل مع شخصية "غودار" بأي قدر من التقدير أو المحبة أو حتى محاولة الاقتراب والتفهّم، وأن الفيلم بالكامل هو عمل لا يهدف إلى أكثر من السخرية منه، وتحويله إلى صورة كاريكاتيرية مُسطّحة تماماً، من دون أي عمق، لا في شخصه ولا في فترته الزمنية ولا في علاقته بالممثلة آن وازيمسكي وفترات الصعود والهبوط في علاقتهما، ومن دون حتى أمانة تاريخية في التعامل مع الأحداث.

يحدّد الفيلم موقفه منذ الافتتاحية، ومن جملة يقول فيها الممثل، لوي جاريل، الذي أدى دور "غودار"، إن الفنان الحقيقي يجب أن يموت في الـ35، والآن أنا عمري 37 عاماً، كأن هازانافيسيوس بالتالي يقر بأنه يحكي عن فترة يرى الرجل فيها ميتاً، أو كان يجب أن يكون!
بعد تلك الافتتاحية، تبدأ الأحداث عام 1967، بعد انتهاء غودار من فيلمه "الصينية" من بطولة وازيمسكي. وضمن فصول متتابعة من التقليل من شأن غودار، يفترض هازانافيسيوس أن "فشل الفيلم نقدياً وجماهيرياً" سببه عدم اتزان واضح للرجل الذي كان حينها قد ملأ الدنيا صخباً بعدد من الروائع السينمائية، ويعتبر من أهم مخرجي العالم.

تناول "ريداوتبل" كاذب لهذا الجزء، ولا يوجد وصف آخر، فمن ناحية لم يفشل فيلم "الصينية" إلى هذا الحد، واعتبر أقل من أفلامٍ أسبق، ولكن ليس كسقوط مدوّي كما يصور هنا. والأهم من ذلك، أن تلك الفترة كانت غنية جداً لـ"غودار"، لدرجة أنه قدم ثلاثة أفلام روائية طويلة وفيلمين قصيرين وآخر وثائقياً في عام 67 الذي أخرج فيه "الصينية"، فلم يكن هناك وقت متاح لديه للاكتئاب والوقوف عند فشل فيلم، لو تقبلنا حتى كذبة فشله. ومن تلك المقدمة المشوهة أو المتلاعبة بالتاريخ، يتحرك الفيلم إلى ثورة مايو 1968 في فرنسا، والتي قادها الطلاب، من دون أي تعريف أو خلق سياق سياسي واجتماعي وعالمي لما يحدث.

وربما لا تكون تلك مشكلة بالنظر إلى أن الفيلم فرنسي ويتكلم عن حدثٍ محوري جداً هناك. ولكن المؤكد أن تناول الفيلم تعاطي "غودار" مع الحدث غير منصف أو موضوعي بأي شكل، فهو يظهره مجرد شخص ممتلئ بذاته، يريد أن يتصدّر الصورة، في أول مشهد له في الثورة يهتف "غودار" ولا يهتف أحد معه، ويغيّر الطلبة الهتاف فيبهت هو قليلاً ويتبعهم، ذلك التصوّر العنيف جداً اتجاهه في المشهد يظل يتكرر بتيمات وأشكال مختلفة بعد طوال الفيلم؛ من دخوله إلى ندوة في الجامعة ومقاطعة كلمته، إلى قيادته مخرجي الموجة الجديدة كي يوقفوا مهرجان "كان" ذلك العام، حتى إجابته على أسئلة الصحافيين.كلّ شيء يقدّمه في صورة شخص موتور يبحث عن دور سياسي كثوري، ولا يتعامل بجدية أو ينقل بصدق ما حدث.


ثم يأتي الجانب الثالث المتعلق بسينما "غودار"، الرجل الذي تسببت الثورة في مساءلة حقيقية داخله عن "ما هي السينما؟"، وهل الحكايات التقليدية التي تقدّمها هي الصورة المثلى لها؟ أم أن هناك شكلاً جديداً يمكنه أن يستوعب الحراك التاريخي في العالم؟ تلك الأفكار، التي كتب فيها مقالات وأخرج من خلالها أفلاماً، يمكن الاختلاف معها، ويمكن اعتبار أن موروثه الأهم كان في سنينه الأولى. ولكن هازانافيسيوس يسفه من كل شيء لدرجة تحويل الرجل إلى ببغاء مُضحكة، يردد كلام الآخرين، كذلك الصحافي الذي وقف يستمع إليه بانتباه في أحد مشاهد الفيلم، وينقلب على أصدقائه بشكل موتور، تحديداً في مشهدين يظهر فيهما دور للمخرج الكبير بيرناردو بيرتلوتشي، ويبدو "غودار" طفلاً في تفاعله معه ومحاجاته، وليس مخرجاً ومفكراً ما زال يعمل ويفكر حتى الآن في ما هي السينما، على الرغم من وصوله إلى السابعة والثمانين من عمره.



المساهمون