"لعبة جيرالد"... "نت-فليكس" تتألق من خلال ستيفن كينغ

"لعبة جيرالد"... "نت-فليكس" تتألق من خلال ستيفن كينغ

03 نوفمبر 2017
المخرج مايك فلانجان (Getty)
+ الخط -
خلال العام الحالي، صدرت حتى الآن 3 أفلام مقتبسة عن روايات مؤلف الرعب الشهير، ستيفن كينغ، بدأت بعمل ضعيف في Dark Tower ثم نجاح ضخم لـIt، الذي أصبح أكثر فيلم رعب يجلب إيرادات في تاريخ السينما، ونهاية بـ Gerald's Game، المقتبس عن الرواية التي تحمل نفس الاسم وصدرت عام 1992، وبإنتاج من شبكة "نت-فليكس" التلفزيونية، والذي جاء كمفاجأة سارة جداً لم يتوقعها أكثر المتفائلين.



الرواية الأصلية تحمل الكثير من روح كينغ وأفكاره الثورية جداً، واعتماديته في بعض من أهم أعماله، مثل Misery مثلاً أو The Shinin، على محاصرة شخصياته داخل كابوس قاتم وغير متوقع، وفي "لعبة جيرالد" يتناول رحلة زوجين إلى أحد الأماكن النائية من أجل استعادة بريق زواجهم وتجاوز أزمات منتصف العمر، ولأجل ذلك يقترح جيرالد لعبة جنسية تقتضي رَبط الزوجة "جيسي" في السرير من خلال أصفاد حديدية، وتسير الأمور جيداً في البداية قبل أن يسقط "جيرالد" فجأة ميتاً بأزمة قلبية، لتصبح "جيسي" محاصرة تماماً مع جثة زوجها، غير قادرة على فك نفسها أو الاستعانة بمساعدة أحد، مع فيض من الذكريات الكابوسية والمؤلمة نفسياً التي تحاصرها مع انقضاء الوقت.



استعانت شبكة "نت-فليكس"، وفي قرار موفق جداً، بالمخرج، مايك فلانجان، وهو مخرج أفلام رعب مستقل ذو تقدير في الصناعة، وكان أشهر أفلامه هو Hush في 2016، والذي يدور أيضاً داخل مكان واحد عن كاتبة صماء محاصرة داخل منزل من قِبل قاتل متسلسل، وكان لديه قدرة واضحة حينها على الإمساك بإيقاع عمله واستخدام كل الإمكانات المتاحة لفكرة "المكان الواحد".

وفي "لعبة جيرالد" يكرر فلانجان ذات الأمر، متنقلاً بموهبة وخبرة بين مراحل مختلفة من الإثارة/الضغط، ففي الثلث الأول يعتمد بشكل كامل على أداء الممثلة، كارلو جيوجونو، الرائع جداً في خلق أبعاد الموقف المعقد، والمشاعر المختلطة بين صدمة فجائية الموت ورعب البقاء مع جثة الزوج وقبل كل شيء كابوس البقاء هنا إلى الأبد دون قدرة على تحرير نفسك أو حضور أي شخص لمساعدتك، ليستخدم تفاصيل منطقية مثل "محاولة الوصول للتليفون" أو "الصراخ من أجل أن يسمعك أحد" أو "الوصول إلى كوب الماء" أو "الخوف من الكلب المرعب الجائع الموجود بالخارج"، وذلك كله من أجل صنع دقائق وأوقات مميزة، دون أي ملل من أننا أمام ممثلة واحدة فقط، قبل أن ينتقل بنا للثِقَل الأهم.



بعد الثلث الأول، يتجاوز فلانجان الحدث المؤسس، ويبدأ في الوصول إلى أعماق رواية كينغ والمحور الرئيس للحكاية، عن كونِ العمل فيلما عن شخصية تلك المرأة قبل أي شيء، وعن استعادة ذكريات حياتها عبر ذلك الموقف المرعب والمعقد الذي تمر به وليس من المؤكد أن تخرج منه حية، يتعامل فلانجان بذكاء شديد مع الرواية، ويقوي النزعة الدرامية فيها، لا يهتم بالرعب السطحي القائم على الفجائية والصراخ، رغم احتمالية ذلك، ولكنه يذهب إلى رعب نفسي أكثر قيمة وتأثيراً بكثير؛ صور مختلطة من أحداث وانتهاكات الطفولة، وبأداء لا يقل قيمة من شيارا أوريلا في دور جيسي الصغيرة وأداء شيطاني هينري توماس في دور توم، مع هلاوس الحاضر النابعة من التعب والعَطَش والخوف، ولحظات من التعاطف الخالص مع الشخصية والشعور بالحصار معها، وكل ذلك من خلال استخدام ممتاز جداً لأدواته السينمائية؛ وعلى رأسها التصوير الأخاذ الذي يستخدم اللون الأحمر، الكلاسيكي في أفلام الرعب، بشكل فاعل جداً درامياً في بعض من أهم مشاهده، ويجعل من "حمرة" الغروب شيئاً كابوسياً في لا وعي لمتفرج، كذلك المونتاج البارع والموزون جداً إيقاعياً في التنقل بين الغرفة والبيت المهجور وبين حياة سابقة تحمل وصلاً مستمراً مع اللحظة.

ليؤكد فلانجان من خلال فيلمه الرابع على جودته وتواجده في صداره مخرجي سينما الرعب في العالم اليوم، من خلال عمل هو بالتأكيد أفضل الأفلام التي أنتجتها شبكة "نت-فليكس" حتى الآن، وواحد من أفضل إنتاجات سينما 2017 بشكل عام.

المساهمون