عربٌ في فينيسيا وتورنتو... إنتاجٌ غربيّ وحكايات محلية

عربٌ في فينيسيا وتورنتو... إنتاجٌ غربيّ وحكايات محلية

31 يوليو 2017
من "الجبال بيننا" لهاني أبو أسعد (موقع مهرجان تورنتو)
+ الخط -
يُشكِّل الإعلان الرسمي للأفلام المختارة لمهرجاني البندقية وتورنتو، اللذين تُقام دورتاهما الجديدتان بعد أسابيع قليلة، استعادة لسؤال الحضور العربيّ في المحافل الدولية. هذا لن يكون جديداً، لكنه يثير اهتماماً بمسارات سينمائية لمخرجين عرب، يكترثون بالصنيع كلغة تعبير، ويبتكرون أشكالاً مختلفة لصُوَر تروي حكاياتٍ لن تكون، بالضرورة، عربية. فالصنيع، كإنتاج، مرتبطٌ بالجهات الأساسية التي تمنح ميزانيات لإنجاز مشاريع مُقدَّمة إليها، فتتعامل مع مخرجين تتفق وإياهم على تحقيق الأهم: أن يكون العمل سينمائيّاً. 

فهوية المخرج لن تكون جوهرية في أي تعاملٍ سينمائيّ غربيّ معه. والموضوع المختار يحتلّ مرتبة أساسية، إذْ يُمكن لحبكته أن تكون عربية، ما يدفع المنتج إلى نقاشٍ وتساؤلاتٍ حول مسائل مرتبطة بكيفية تقبّل الغربيّ لها؛ أو أن تكون غربيّة أو إنسانية عامة، فيُطالَب المخرج بتحقيق المشروع وفقاً لمزيجٍ سينمائيّ بين أسلوبه وقناعاته وهواجسه من جهة أولى، واحتياجات الإنتاج والتوزيع والتسويق من جهة ثانية.

هذا تبسيطٌ لواقع إنتاجيّ لن يكون معقّداً، كما يظنّ كثيرون. فالأولوية لدى جهات الإنتاج الغربيّة كامنةٌ في أهمية الموضوع والسيناريو، وفي آلية المعالجة ومدى قدرتها على تلبية شروط سينمائية وإنتاجية وتوزيعية معتادة، وفي مصداقية المخرج ـ إنْ يكن عربياً أو غير عربي ـ في مساراته المهنية. اللبناني زياد دويري والفلسطيني هاني أبو أسعد يُشكّلان نموذجاً سينمائياً حيوياً ومفيداً، لتبيان معنى أن يُخرج عربيٌّ فيلماً أجنبياً، قبل مشاركتهما بجديدهما في مهرجانيّ البندقية وتورنتو. فللأول تجربة فرنسية سابقة، تتمثّل بـ"لِيْلاَ قالت هذا" (2004)، المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه (1997) للكاتب الفرنسي شيمو؛ وللثاني تجربة أميركية، تتمثّل بـ"المتخصِّص" (2012)، المستند إلى سيناريو للثنائي برانن كوومبس وبيت دْريس.

حالياً، يُشارك زياد دويري بـ"قضية رقم 23" (2017)، في المسابقة الرسمية للدورة الـ74 (30 أغسطس/ آب ـ 9 سبتمبر/ أيلول 2017) لـ"مهرجان البندقية السينمائيّ الدوليّ (لا موسترا)"؛ ويُعرَض "الجبال بيننا" لهاني أبو أسعد، في برنامج "عروض غالا"، في الدورة الـ42 (7 ـ 17 سبتمبر/ أيلول 2017) لـ"مهرجان تورنتو السينمائيّ الدوليّ" ("العربي الجديد"، 29 يوليو/ تموز 2017). وإذْ يختار الأول موضوعاً لبنانياً بحتاً، يُنتجه بتمويل فرنسي، فإن الثاني يحصل على إنتاج أميركي لتحقيق موضوعٍ أميركي، يُمكن أن يكون عاماً أيضاً.

مأزق التمزّق اللبناني الداخلي نواةٌ أساسية لـ"قضية رقم 23": شجارٌ كلاميّ بين لبناني وفلسطيني سيكشف ما يُظَنّ، لفترة طويلة، أنه مستور أو غائب أو منسيّ، إذْ يتحول النزاع العادي إلى دعوى قضائية، تستغلّها وسائل الإعلام وتُضخّمها، إلى درجة تدفع المتخاصِمَين إلى إعادة النظر بتاريخهما ومواجعهما وذاكرتهما وأحوالهما وحياتهما وانفعالاتهما، في ظلّ خرابٍ يعتمل في بلدٍ (لبنان) مفتوحٍ على خراب وانشقاقات. وسقوط طائرة مدنية في برّية شاسعة، ستضع جَرّاحاً وصحافية في بيئة متوحّشةٍ، في "الجبال بيننا"، ما يدفعهما إلى تعاونٍ وثيقٍ لمواجهة تحدّيات الطبيعة والأرض والمتاهات والانفعالات، بحثاً عن خلاصٍ من شقاءٍ غير متوقّع.

فرنسا حاضرةٌ في "لا موسترا" أيضاً، بـ3 أفلام روائية طويلة أخرى، لـ3 مخرجين عرب: "مكتوب، حبيبي" (المسابقة الرسمية) لعبد اللطيف كشيش (تونس، 1960)، و"المُباركون" (آفاق) لصوفيا جَما (وهران، 1979)، و"اللحن" (خارج المسابقة) لرشيد هامي (الجزائر العاصمة، 1985). يقتبس الفرنسيّ التونسي الأصل كشيش (كاتب السيناريو) جديده هذا من رواية "الجرح، الصحيح" (2011) للفرنسي فرنسوا بيغادو (1971): حكاية أمين، الذي يجد نفسه، ذات صيف، في خضم معضلة أخلاقية وإنسانية ومهنية، إذْ بعد لقائه ياسمين وشعوره بحبّ إزاءها، سيلتقي منتجاً يوافق على تمويل مشروعه الجديد، قبل أن تحاصره زوجة المنتج، وتفرض عليه أحد هذه الخيارات: هي، ياسمين أو مهنته.

أما "المُباركون"، فيروي حكايتين تبدوان، لوهلة، منفصلتين إحداهما عن الأخرى، قبل انكشاف تلاقيهما في قراءة الجزائر، ماضياً وحاضراً. فبعد أعوامٍ قليلة على نهاية الحرب الأهلية (1991 ـ 2002)، تُقرّر آمال وسمير الاحتفال بالذكرى الـ20 لزواجهما في مطعمٍ في العاصمة، ما يجعل دربهما إليه مناسبةً لمقاربة البلد بطريقتين مختلفتين: آمال عبر فقدان الأوهام، وسمير عبر استيعابها. أما ابنهما ورفاقه، فيجوبون بلداً ينغلق على نفسه، شيئاً فشيئاً.

بتعاونه مع غي لوران وفاليري زيناتي، يكتب رشيد هامي سيناريو "اللحن": سيمون، عازف كمان في الخمسينيات من عمره، يُشرف على نهاية مسيرته المهنية، ويقف أمام مفترق طرق في حياته. أسلوبه التدريسي يُعرقل كل تواصل له مع تلامذته، في حين أن أرنولد، المُصاب بخجل مرضيّ، موهوب بالعزف على الكمان، ما يجعل ارتباطه بأستاذه نوعاً من خلاصٍ لهما.



دلالات

المساهمون