أمل عرفة: خسرت جمهورها المعارض... ولم تربح النظام

أمل عرفة: خسرت جمهورها المعارض... ولم تربح النظام

10 يونيو 2019
صدر تعميم بمنع بثّ حتى مشاهدها القديمة (فيسبوك)
+ الخط -
قبل أيام، ألغت إذاعة "المدينة أف أم" لقاءً كان من المقرر إجراؤه مع النجمة السورية أمل عرفة في برنامج "المختار"، الذي يقدمه الإعلامي باسل محرز، وذلك بسبب اعتذارها من الجمهور السوري المعارض عن مشاركتها بلوحة في مسلسل "كونتاك" تسخر فيها من ضحايا الكيماوي وفريق الخوذ البيضاء. 

الاعتذار

وبررت الإذاعة السورية قرار إلغاء اللقاء من خلال تنويه نشرته على صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، ذكرت فيه: "قرر مدير عام إذاعة "المدينة" وقف مقابلة أمل عرفة، وذلك بعد ما نشرته من تبرير واعتذار عن لوحة في مسلسل يفترض أنها قدمت جزءاً من حقيقة فبركة الأحداث التي تحصل في سورية من مليشيات مسلحة ودول داعمة لها، خاصة ما يسمى بمنظمة "الخوذ البيضاء" التي لم يعد يخفى على أحد انتماؤها والجهات التي تدعمها لتشوه الحقائق. وإننا إذ نلتزم بسياسة الدولة السورية ومواقفها واحتراما لشهداء وجرحى الجيش العربي السوري وتضحيات الشعب نعلن عن إلغاء هذا اللقاء".

ويبين هذا التنويه بوضوح أن سياسة الدولة السورية في هذه المرحلة تقتضي إلغاء أي صوت لا يتطابق ــ بشكل كامل ــ مع روايتها الإعلامية، وخصوصاً إذا قسنا هذا الكلام على الاعتذار الذي نشرته أمل عرفة، والذي لا يمكن اعتباره مخالفاً للنظام أو معاكساً لروايته الإعلامية. بل على العكس حمل الكثير من الثغرات التي فسرها المعارضون أنها محاولة منها للتأكيد على حرية التعبير الموجودة في الداخل السوري، إذ كررت في اعتذارها أكثر من مرة عبارة أنها تعتذر من "دمشق وليس من خارجها". كما تخلل الاعتذار عبارات فضفاضة عن الموت والوطن والدماء في خطاب أشبه بخطاب إعلام النظام عن "الموت الذي طال جميع السوريين" من دون تحميل مسؤوليات.



تعميم وسائل الإعلام

بعد حادثة "المدينة أف أم" عادت قضية إقصاء أمل عرفة عن المنصات المرئية والسمعية للنظام السوري إلى الواجهة مجدداً، بعد أن نشرت عدة صفحات إعلامية موالية للنظام السوري، مثل صفحة "اللاذقية ناو"، بياناً ــ تم تسريبه ــ يوضح بأن أمل عرفة ممنوعة من الظهور على الشاشات السورية بما في ذلك مشاهد قديمة لها. كما يجب عدم استضافتها في برامج حوارية البتة، وذلك على خلفية اعتذارها من جمهور المعارضة الخارجية بعد عرض حلقة الكيماوي من مسلسل "كونتاك" خلا شهر رمضان.

وخلال الساعات التالية تم تأكيد الخبر من خلال مواقع سورية عدة مؤيدة ومعارضة، حيث نشر موقع "جُرف نيوز" المحلي المعارض أنه تأكد من الخبر من خلال مصادره الخاصة، ونسب البيان إلى وزير الإعلام، عماد سارة.

لكن المتابعين الموالين أبدوا استياءهم من هذا القرار، مما جعل بعض الصفحات المتخصصة بالدراما السورية تسارع لنفي الخبر وتصفه بالإشاعة، كما فعلت صفحة "جديد الدراما السورية". وقد التزمت أمل عرفة الصمت، على غير العادة، فمنذ أن نشر راديو "المدينة" تنويهه، لم تقم سوى بتغيير صورة حسابها الشخصي على "فيسبوك"، ووضع صورة العلم السوري كصورة شخصية، وكأنها تحاول أن تحصل على صك البراءة من خلال إثبات الوطنية.

واقع الإعلام

ما يحدث مع أمل عرفة ليس غريباً إطلاقاً عن واقع الفن في سورية قبل الثورة أو بعدها. فإعلام النظام السوري لم يدافع أبداً عن الفنانين الذين أدوا مشهد مسلسل "كونتاك" بشكل "وطني ناقد" (بحسب التعبير الذي يستخدمه جمهور نظام البعث)، عندما وصل الغضب الشعبي إلى أوجه. كما أنّ شركة الإنتاج قامت بحذف المشهد من موقع "يوتيوب" لتتحاشى أي تعليقات مسيئة.
في المقابل عاقبت وزارة الإعلام أمل عرفة التي حاولت ــ بطريقة غير مقنعة ــ أن تدافع عن المشهد الذي تم توصيفه بالجريمة الفنية، على جنحة الاعتذار من المعارضة الخارجية. وربما يعود السبب وراء نشرها لاعتذار أن الهجوم تركز بغالبيته على النجم الأول في المشهد، أمل عرفة، التي بدت ككبش الفداء الذي تمت التضحية به لتعود الأمور لسابق عهدها؛ فالجمهور لم ينتقد على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي سواها، وتغاضى عن أسماء المخرج والمنتج والمؤلفين وباقي فريق التمثيل، الذي يتضمن أشخاصاً ادعوا لوقت طويل معارضتهم النظام السوري، كالممثل محمد زرزور.
وأما ماكينة النظام السوري المختصة بصناعة البروباغندا فهي حتماً لن تهتم لهوية "المهرج" الذي سيؤدي الدور في مسرحيتها، ولن يكون قرار إقصاء أمل عرفة من منصات النظام الإعلامية مهماً بالنسبة للنظام أو حتى وجوهه الإعلامية.



بداية القضية

كل هذه القضية بدأت مع الحلقة 23 من مسلسل "كونتاك" الذي عرض في شهر رمضان. إذ سرد السيناريو جريمة الهجوم الكيميائي الذي نفّذه النظام السوري ضدّ المدنيين السوريين، بصيغة تهكمية، لينكر فيها الضربات الكيميائية الثلاث التي قام الأسد بتنفيذها منذ بداية الثورة السورية (مارس/آذار 2011). وصوّر العمل كل الجدل العالمي الذي أثير حول هذه الهجمات على أنها تكهنات ناجمة عن غباء لجان أسلحة الدمار الشامل الدولية، والتي لا تميز بين غاز الكلور ومربى المشمش، وفق سردية المسلسل نفسه. ثمّ يصوّب بشكل مباشر على "الخوذ البيضاء" الذي بحسب العمل صوّر بنفسه كل مسرحيات الكيميائي ليثير تعاطف العالم، ويحرّضه ضد نظام الأسد.
بعد الحلقة انطلق هجوم عنيف على أمل عرفة، التي سرعان ما اعتذرت، بطريقة مشوّشة. لكن يبدو أن نصف الاعتذار الذي قدّمته لم يعجب السلطات السورية، ليصدر قرار منع ظهورها على وسائل إعلام النظام.

المساهمون