المونولوج السوري بين الاكتئاب والصداقة

المونولوج السوري بين الاكتئاب والصداقة

16 مارس 2015
لاجئون سوريون في لبنان (Getty)
+ الخط -
"انتقلت إلى لبنان لأنني أحسست أني أنتمي إلى من يعيش داخل لبنان، وبسبب الأوضاع المالية التي اضطريت بسببها للعمل في مقهى يونس برفقة أخي (شادي الشلبي) في شارع الحمرا لثلاثة أعوام قبل أن أترك العمل عام 2014". بهذه الكلمات وضّح محمد الشلبي سبب انتقاله إلى لبنان.

محمد وشادي، لا يعملان في المقهى وحسب، لكن معظم من يرتادون إلى "يونس" أصبحوا أصدقاءهما الذين يشاركونهما الأفراح والأحزان والقهوة. التقيت بمحمد وشادي، عندما بدآ بالعمل في كافيه يونس. ومع مرور الزمن، أصبحنا أصدقاء، نفتح بيوتنا وقلوبنا لبعضنا البعض.

حتى الشهر الأول من عام 2015، الفرقة ذاتها في "يونس" تتعايش بسعادة. يدخل محمد إلى المقهى، يجدني أحمل قهوتي ويقول لي "سأغادر بيروت بسبب ترحيل الدولة اللبنانية". بعد 11 شهراً من حجز الأمن العام اللبناني لجواز سفر محمد، قررت الدولة اللبنانية ترحيله وعدم قبول لجوئه إلى لبنان. محمد كان يعتبر لبنان منزلاً له بسبب الأصدقاء الذين شاركوه الذكريات الجميلة والمؤلمة في بيروت.

عام 2013، كان محمد في طريقه إلى الشام حين أوقفه الأمن العام اللبناني على الحدود السورية ـ اللبنانية، لم يُحتجز لكن صودر جواز سفره، وحوِّل إلى الضابط المسؤول الذي قال له إنه سيدعه يكمل طريقه، لكن خلال عودته سيصادر جواز سفره وسيستلمه من مركز الأمن العام في بيروت. وهذا ما حصل بعد أسبوع، بالإضافة إلى التحقيق الذي جرى معه في طريق العودة عن مكان سكنه في لبنان وعمله، انتهى التحقيق بوعدٍ من المحقق باستلام جواز سفره بعد يومين من بيروت.

في الماضي، لم يكن قانون تنظيم وجود السوريين في لبنان مُقراً، لكن محمد كان السوري الأول الذي يُطلب منه تنظيم وجوده في لبنان من خلال إقامة عمل، التي يسميها محمد "الدوامة". فعليه أن يقوم بتثبيت إجازة عمل من وزارة العمل اللبنانية، وتتطلّب عقد عمل وتوطين راتب من رب العمل، وما يعرقل هذه العملية أن عمله في مقهى "يونس" لا يخوّله الحصول على إجازة عمل.

أعطت الدولة اللبنانية محمد ثلاثة أشهر لكي يقدّم إقامة العمل، لكنّه لم يتمكن من تأمينها، فقرر تقديم إقامة طالب بتسجيل نفسه في كلية العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، ما خوّله الحصول على إفادة طالب نظامية.

في أذار 2014، توجه محمد إلى الأمن العام لتقديم أوراقه كطالب جامعي في لبنان، فبدأت دوامة جديدة من الفوضى في الأمن العام اللبناني. ففي كل لقاء بين محمد والمحقق تزداد طلبات المحقق، حينها قرر محمد الاستسلام وقال للمحقق في المركز الأمني "عندما تقرر إعادة جواز سفري وأوراقي الثبوتية، اتصل بي".

لم يزر محمد مركز الأمن العام لمدة 6 أشهر، وفي أيلول 2014، قرر أن يتفقد قضيته، ليدور مرة أخرى من مكتبٍ إلى آخر ومن تحقيقٍ إلى آخر بلا جدوى، ومن دون أي توضيح أو تفسير عمّا يجري. وبرأيي الشخصي، فإن محمد كان بإمكانه إنهاء كل تلك المعمعة برشوةٍ اعتدنا عليها في لبنان لإنهاء كل عمليات الأوراق الثبوتية.

في بداية العام 2015، وبعد إقرار قانون تنظيم وجود السوريين في لبنان، أصبح الترحيل قانونياً في قاموس الأمن العام اللبناني، وهذا ما يشير إلى أنّه لم يعد بحاجة إلى تبرير أو قضيّة لترحيل أي شخص سوري الجنسيّة وليس فقط محمد. وبعد طلب الأمن العام من محمد كلفة التجديد السنوي للأوراق الثبوتية، ليُعطى إقامة لمدة سنة، خُتم ملفه بالطرد وأنّ عليه مغادرة الأراضي اللبنانية.

الدوامة الموجعة في لبنان، جعلت أحد أصدقائي، وهو نموذج عن المواطن السوري في القرن الواحد والعشرين في الأراضي اللبنانية، يفترق عن المحيط الذي ولد بالمزيج بين الشعبين اللبناني والسوري. نحتسي القهوة أنا وشادي، ومحمد يدور في الأراضي التركية مفتشاً عن دولةٍ تحترمه.

المساهمون