بطلٌ مضادّ في ذاكرة السينما: جنون العالم

بطلٌ مضادّ في ذاكرة السينما: جنون العالم

17 سبتمبر 2019
جاك نيكلسون في "باتمان" 1989 (سيغما/ Getty)
+ الخط -
لا يعرف كثيرون أن شخصية جوكر، حين ابتكرها بوب كين وجيري روبنسون عام 1940 كخصم لباتمان، كان يُفترض بها أن تظهر وتقتل في عددٍ واحد فقط من "القصص المصوّرة". لكن ما حدث هو أن العدد المذكور عرف نجاحًا استثنائيًا، رغم أنّ قرّاءه شعروا بالرعب والرهبة من تلك الشخصية.
هناك تفسيرات عديدة لهذا النجاح، منها أن الشخصية نفسها تعبيرٌ عن الجنون السائد في العالم، زمن الحرب العالمية الثانية. فالقرّاء ربطوا، بوعي أو بلا وعي، بين الـ"جوكر" وأدولف هتلر. لذلك، استمرت الشخصية، وأصبحت أشهر خصوم "باتمان" إطلاقًا، وانتقلت من الـ"كوميكس" إلى السينما عام 1966، وقُدِّمت بنسخٍ عديدة، إلى أنْ وصلت، عام 2019، إلى فيلمٍ منفرد، بعنوان The Joker لتود فيليبس، يؤدّي واكِن فينيكس فيه تلك الشخصية. والفيلم حاز على جائزة "الأسد الذهبي" في الدورة الـ76 (28 أغسطس/ آب ـ 7 سبتمبر/ أيلول 2019) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي".
لكن، قبل "جوكر" فيليبس وواكِن وفينيسيا، هناك نسخ وقصص مختلفة، لسينمائيين عديدين، خلال أكثر من 5 عقود متتالية.
أول حضور سينمائي للشخصية كان في Batman: The Movie، الذي أنجزه ليسلي هيربرت مارتنسن عام 1966، وهو استثمار سينمائي لنجاح مسلسل تلفزيوني، عرض مطلع ستينيات القرن الـ20. فيه، أدّى سيزار روميرو تلك الشخصية، لكن من دون منحها مساحة اهتمام زائدة، إذْ كان فقط جزءًا من عصابة، تسمّى "اتحاد العالم السفلي"، تجمع عددًا من أشهر خصوم "باتمان"، كـ"بنغوين" و"رايدلر" وغيرهما. ما يُميّز هذه الشخصية هو الشعر الأخضر، والبذلة البنفسجية، ومكياج الوجه الأبيض، تجسيدًا مباشرًا لصورة الـ"جوكر" في "القصص المصوّرة".

ولأن ستينيات القرن الـ20 وسبعينياته لم تكن زمن ازدهار لأفلام الأبطال الخارقين، كالزمن الحالي، فإن الظهور التالي للـ"جوكر" في السينما حصل بعد 23 عامًا، بفضل Batman، الذي أخرجه تيم بورتون عام 1989، وكان حضوره استثنائيًا، لسببين: الأول، أنّ جاك نيكلسون هو من أدّى الشخصية؛ والثاني، أن الفيلم يتعمّق في أصل الشخصية، ويهتمّ بهذا الجانب، وبكيفية تحوّلها إلى عدوٍ لـ"باتمان"، من خلال أشهر حكاية عنه في الـ"كوميكس"، إذْ كان شريرًا عاديًا، سقط في برميل كيماويات أثناء مطاردة "باتمان" له، فتحوّل إلى شرير خارق، ذي ملامح ومكياج مرعبين.
رغم إنجاز 3 أفلام أخرى عن "باتمان" ومعه، في التسعينيات المنصرمة، أحدها لبورتون أيضًا (1992)، والاثنان الآخران لجويل شوماخر، أنجزهما عامي 1995 و1997، إلّا أنّ الأفلام كلّها اهتمّت بخصومه الآخرين، باستثناء الـ"جوكر". مع ذلك، لم تغب الشخصية عن الحضور بشكل كامل، إذْ عرض في ذلك الوقت Batman: The Animated Series، وهو مسلسل تلفزيوني أُنجز بين عامي 1992 و1995، في 4 مواسم، ظهر الـ"جوكر" في 15 حلقة منها، بأداء صوتي لمارك هاميل، بطل سلسلة Star Wars، فاحتفظ بمكانته كأقوى خصوم "باتمان" وأشهرهم.
شهرة الـ"جوكر" تضاعفت لاحقًا، وصارت أكثر أيقونية بما لا يضاهى، إذْ عُثِر مطلع عام 2008 على الممثل هيث ليدغر متوفيًا في منزله، بسبب جرعة زائدة من المنوِّم، وتمّ ربط الحادثة بالإرهاق النفسي الذي تعرّض له أثناء أدائه الشخصية، في The Dark Knight، الذي كان منتظرًا عرضه صيف العام نفسه.


والفيلم لاقى استقبالاً نقديًا وجماهيريًا حافلًا، والسبب الأساسي كامنٌ في تقديم باهر للـ"جوكر"، إنْ على مستوى الشكل، الذي يتخلّى عن صورة "القصص المصوّرة" للمرة الأولى، ويمنحه ملامح واقعية تزيده رعبًا؛ وإنْ على مستوى "فلسفة الفوضى" التي يعتنقها مقابل "باتمان". هناك طبعًا الأداء التاريخي لهيث ليدغر، المتوّج بـ"أوسكار" أفضل ممثل مُساعد، بعد عام واحد على وفاته، ليقترن اسمه بالشخصية، ويضاعف أسطوريّتها.
في الأعوام الـ11 الأخيرة، لم تُقدّم الشخصية في أي فيلم روائي، إلّا مرة واحدة، عام 2016، في Suicide Squad، الذي أخرجه ديفيد آير كجزء من عالم "الأبطال الخارقين"، الخاص بشركة DC. فيه، أدّى جاريد ليتو الشخصية. ورغم الانتظار الكبير للفيلم، وللثنائي الـ"جوكر" وحبيبته هارلي كوين (مارغو روبي)، إلّا أن النتيجة النهائية محبطة للغاية، فالفيلم فاشلٌ نقديًا وتجاريًا، ما دفع DC إلى إعادة هيكلة مشروعها، وتأجيل الجزء الثاني منه، والبحث عما إذا كان ليتو سيؤدّي الشخصية مرة أخرى.
أخيرًا، عاد الـ"جوكر" إلى الواجهة مجدّدًا، مع فيلمٍ يروي قصته الأصلية، يؤدّي فيه واكِن فينيكس الشخصية، وهو أحد أهمّ ممثلي السينما الأميركية في العقدين الأخيرين. وكما ظهر في الشريط الدعائي، فالفيلم يتبنّى إحدى نظريات نشأة الـ"جوكر"، بكونه "كوميديان" فاشل يدعى آرثر فْلِك، عانى اضطهادًا مجتمعيًا مستمرًا، أصابه بالجنون.

عرف الفيلم، في عرضه الدولي الأول في مهرجان فينيسيا، تقديرًا وترحابًا، قبل أن يُفاجأ الجميع بفوزه بجائزة "الأسد الذهبي"، وهي الجائزة الأولى للمهرجان، ليضاعف التوقّعات بخصوص "أوسكار" 2020، بانتظار عرضه التجاري في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، في الولايات المتحدّة الأميركية، وهي توقّعات مختصّة بمنافسة فينيكس على الجائزة في فئة أفضل ممثل، وفوزه متوقعٌ للغاية. فوز فينيكس بالـ"أوسكار"، إنْ يحصل، سيكون حدثًا تاريخيًا، يُزيد من أيقونية الـ"جوكر"، لأنه سيصبح الشخصية السينمائية الوحيدة التي فاز بفضلها ممثلان اثنان بالجائزة، في فيلمين مختلفين، بعد شخصية فيتو كورليوني، الظاهرة في الجزأين الأول (1972) والثاني (1974) لـ"العرّاب"، لفرنسيس فورد كوبولا، مع ممثلين اثنين، هم مارلون براندو (أفضل ممثل) وروبرت دي نيرو (أفضل ممثل ثانٍ).

المساهمون