"الغرباء المثاليّون"... فكرة ناجحة وحلول درامية ساذجة

"الغرباء المثاليّون"... فكرة ناجحة وحلول درامية ساذجة

12 اغسطس 2017
مخرج الفيلم باولو جينوفيسي (Getty)
+ الخط -
قبل عِدَّة أشهر، عُرض الفيلم الإيطالي Perfect Strangers ضمن مهرجان القاهرة السينمائي. ووقتها، حقّق انتشاراً ونجاحاً بين الجمهور الذي شاهده، قبل أن يختتم المهرجان بحصوله على جائزة أفضل سيناريو من لجنة التحكيم. لتقرر قاعة سينما "زاوية" القاهرية أن تعرضه حالياً، وتفتتح به عودتها بعد فترة راحة طويلة.

فكرة الفيلم جذابة ورائعة جداً، نحن أمام مجموعة أصدقاء القدامى، 7 من بينهم 3 زيجات، يجتمعون معاً للسهر والعشاء ذات ليلة، ويقترح أحدهم بشكل عابر، كتأكيد على قوة العلاقة بين الجميع، أن يقرأ كل منهم أي رسالة تأتيه على هاتفه المحمول بصوتٍ عالٍ، وأن يرد على أي مكالمة عبر مكبّر الصوت. وبعد شد وجذب، يقررون تجربة تلك الفكرة. وما كان بدأ كمجرد لعبة لطيفة، تحول مع الوقت، إلى مأساة قادرة على إنهاء الزيجات الثلاث، وفوقها الصداقة القديمة بين الجميع.

هناك مميزات واضحة في الفيلم، على رأسها تلك الفكرة التي تستغل هذا الانفتاح التكنولوجي في العالم خلال العقدين الأخيرين، والذي جعل كل أسرارنا وحيواتنا الشخصية مُتاحة وموجودة في هاتِف صغير، "صندوق أسود لحياتنا" كما يعلق أحد شخصيات الفيلم. وبالتالي فالفرضيّة الأساسيّة هي: ماذا لو انفتح هذا الصندوق؟ لو صار الأمر مشاعاً ولو لليلةٍ واحدة؟ هل نظن فعلاً أننا لا نملك أسراراً؟ وهل نعتقد، في المقابل، أننا نعرف كل شيء حتى عن أقربِ الناس لنا؟ ذلك هو جوهر الفيلم وقوته، ومن هنا يأتي تطوير شكله الدرامي، في أن يحدث خلال ليلة واحدة، وأن يشعر المتفرّج أنه الطرف الثامن على طاولة الطعام تلك. مراقبٌ دون هاتف محمول، ولكنه يتابع مثلهم، كل الأسرار والأكاذيب التي تُكشف وتُكتشف، وهو نموذج رائع شكلياً، لفيلم حواري بدرجة ما من المسرحة، لتتفق الفكرة مع القالب الشكلي.

ويضاف إلى ذلك ضلعٌ ثالثٌ في ميزان المميزات، وهو الأداءات الحميمية جداً من الأبطال السبعة بلا استثناء. تشعر بنوعٍ من الألفة معهم ومع انفعالاتهم، وتصدق بالفعل أنهم أصدقاء بطبائع مختلفة، يعرفون بعضهم منذ وقت طويل جداً. 

ولكن في مقابل تلك المميزات، فإن الفيلم يعاني فعلاً من الحلول الدرامية السهلة طوال الوقت. قرار أن تجتمع كل خطايا الشخصيات في المكالمات أو الرسائل التي تأتيهم في ساعة ونصف فقط يبدو مراهقاً، لأن المصادفة لا تصبح منطقية حين تتكرر 6 مرات. كذلك، اختيار السيناريو بأنَّ السر الذي يحمله كل منهم يجب أن يكون ضخماً واستثنائياً، أو كون "الخيانة الزوجية" هي الشكل الوحيد تقريباً (والمكرر في خمس حالات) داخل إطار الفيلم، دون مساحات أكبر عن الشخصيات غير علاقاتهم الجسدية المُدانة. قبل أن يمتد الاستسهال قرب ختام الفيلم، ويصل إلى درجة الهزل، حين نكتشف أن علاقة خيانة أخرى بين اثنين من المجموعة نفسها، ويبدو واضحاً في تلك اللحظة أن كتاب السيناريو (5 من بينهم المخرج) قرروا تجاوز المنطق الدرامي وأثر الأحداث ومعقوليتها، في مقابل صنع التواءات ومفاجآت داخل تلك الدراما المُصغرة، وهو أمر يطول حتى المشهد الأخير من الفيلم، والذي يصنعون فيه التواءة غريبة جداً (شبيهة بفيلم "الفرح" المصري – إنتاج 2010) حين يخلقون مساراً بديلاً للأحداث بدون أي مبرر، يكون فيه الأصدقاء لم يلعبوا اللعبة، ولم يكتشف الأزواج عن بعضهم أي شيء، مما يقلل من الأثر الدرامي لكل ما حدث.

ورغم نجاح النص في جعل الفيلم مسليّاً وبإيقاع مشدود فعلاً، إلا أنه لا يصمد، في سبيل ذلك، أمام أي محاولة جادة لتحليل الشخصيات أو منطقية بعض الأحداث والتفاصيل. المحصلة النهائية لهذا الفيلم جيدة، رغم عيوبه الكبيرة، رُبّما لأن نموذجه الإنتاجي مُلهم، وفكرة صنع فيلم منخفض الكلفة ويدور داخل بيت واحد ومجموعة من الممثلين، ومع ذلك يكون أكثر إثارة وتوتراً من بعض أفلام الجريمة والألغاز، وهو في حد ذاته نقطة ضخمة تحسب للعمل.

المساهمون