الاعتزال الفني: بين البحث عن الشهرة والاستسلام

الاعتزال الفني: بين البحث عن الشهرة والاستسلام

28 اغسطس 2019
هل تعود إليسا عن قرار اعتزالها؟ ( سكاي هاي)
+ الخط -
تبدو مفردة "اعتزال" فضفاضة جداً في معانيها وتفاصيلها إذا ما أخذنا مسألة إعلان الفنانين، أو المغنين، في العالم العربي عن نيتهم الاعتزال، في الاعتبار. الواقع لم يفضِ إلى نتيجة تؤكد صراحة أو صدق هؤلاء، ولا سيما بعد عودتهم عن قرار الاعتزال.

لأسباب كثيرة، يعلن بعض الفنانين في العالم العربي قرار اعتزالهم. يستنفر الجمهور، خصوصاً مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، لتبدأ بعدها حكايات الأخذ والردّ، والتحليل والبحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا الإعلان الصادم. لكن الصدمة لا تخرج بالضرورة من العالم الافتراضي الذي أصبح الملعب الأكثر انتشاراً لنشر الأخبار ولمراقبة ردود الفعل تجاه المعلومات، إلى جانب التحليلات التي تواجه الموقف المتخذ؛ فكيف لو كان الإعلان حول اعتزال فلان أو غيره؟

قبل شهرين، تحدث الممثل عابد فهد في لقاء صحافي عن نيته اتخاذ قرار الاعتزال. قال حينها: "أصبحت قريباً من الاعتزال". يبدو أن ذلك يعود إلى أسباب كثيرة، منها ما ظهر من خلال إجابات فهد عن المجتمع الفني والوضع السياسي والأمني. لكن فهد يحاول أن ينتهي من مسؤوليات شخصية خاصة قبل إعلان اعتزاله. شبه انعدام الأمان النفسي والمادي هو ما يفرض على بعض الفنانين اليوم البقاء ضمن الساحة الفنية، في حين أن بعضهم يختزل المعادلة ويبتعد عن الانفعال ويتحول مع الوقت إلى كائن يعمل فقط من أجل الكسب، بخلاف المجموعة الأولى التي تعيش حالة تذمر من واقع الأضواء المفروض عليها، لكنها لا تقوى على اتخاذ قرار الاعتزال لأسباب تتعلق بمسار حياتها الخاص.

كذلك، تحاول بعض الشخصيات الفنية الهروب مجدداً من بعض الحروب الفنية التي تصادفها. الممثلة السورية أمل عرفة أعلنت اعتزالها قبل أشهر، لكن الخبر ظل أبعد من أن يصدق. كان الجميع يعلم أن عرفة تعيش معاناة بعد مشاركتها في مسلسل رمضاني لم يلق الصدى المطلوب، خصوصاً بعد تقديمها مشهداً يسيء للأطفال في سورية. لاحقاً، اعتذرت عنه، لكن ذلك لم يخلّصها من انتقادات دفعتها إلى اتخذ قرار الاعتزال، ثم العودة مجدداً بعد هدوء العاصفة، وهجوم عدد من المنتقدين عليها والردود العنيفة التي أعقبت اعتذارها عن المشهد في مسلسل "سايكو". في حين جاء قرار الاعتزال بمثابة فترة ستقضيها عرفة لإعادة ترتيب أوراقها والوقوف من جديد في وجه بعض الحروب الصغيرة التي تتعرض لها بين الحين والآخر.

من جهتها، أعلنت، قبل أيام، المغنية اللبنانية إليسا قرار اعتزالها قريباً. إليسا لا تزال في أوج عطائها الفني، واستطاعت خلال عقد من الزمن أن تسيطر على خط الأغنية الرومانسية في القاهرة وبيروت، وحصدت ألبوماتها أعلى نسبة مبيعات في العالم العربي. لماذا تعتزل؟ هذا هو السؤال الذي شغل المتابعين بعد تدوينة أعلنت فيها عن قرارها، لكن حقيقة ما شغل جمهور إليسا كلمة "مافيا" التي وردت في إعلانها، ليبدأ البحث عن المافيا، ومن كانت تقصد صاحبة "كرمالك" في هذه التغريدة؟


لا يمكن تشبيه قرار إليسا بالاعتزال بما فعلته مثلاً زميلتها شيرين عبد الوهاب قبل عامين، وإعلانها بالتالي قرار اعتزالها الذي لم يصمد طويلاً، فالتباعد بين شخصية إليسا وشيرين يحملنا إلى نتيجة تؤكد ضعف أو خوف عانته شيرين من عديد العوامل، من بينها قصة خلافها مع مدير أعمالها السابق. في حين واجهت شيرين نفسها الحرب الضروس ضدها في القاهرة بشجاعة ولم تهمها المحاكم ولا قرارات نقابة الفنانين حول إيقافها عن الغناء.

خلاصة القول إن شيرين قررت الاعتزال بناء على دوافع شخصية لا علاقة لها بمشوارها الفني، على عكس إليسا التي تحول النقد ضدها من قبل شركة روتانا، إلى طعنة في الظهر. ففي الظاهر، روتانا تشد من عزم إليسا وتؤمن لها بعض الحفلات التي تعود عليها بالفائدة، لكن حسابات الشركة وبعض النافذين ضمنها تأتي مغايرة، أو من تحت الطاولة، ما اعتبرته إليسا نوعاً من الغدر، وقررت بعد ذلك إعلان اعتزالها.

الظروف هي التي تفرض نفسها على الفنانين. ثمة اختلاف في الرؤية يؤدي إلى مثل هذا القرار، خصوصاً أن معظم النجوم في العالم العربي يعانون من قلة دراية ويفتقدون لمستشارين أو شركات متخصصة في إدارة أعمالهم، وبناء جسر بين حضورهم وأعمالهم الفنية، وبين الجمهور، ما يبقيهم حاضرين ولو خلال فترة الغياب القسري التي تضطر الفنان إلى البُعد أحياناً.

وفي رؤية أخرى، كان الاعتزال على مدار ثلاثة عقود، مبنياً على خلفيات دينية، لعلها تدخل في الإطار الشخصي للوصف السابق لقرار شيرين. في الثمانينيات والتسعينيات، أعلنت أكثر من ممثلة مصرية قرار اعتزالها. أكثر ما ميز تلك الحقبة كان ارتداء الفنانات للحجاب، وإعلان "التوبة"، ووصل الأمر إلى حد التبرؤ من مشاهد تعتبر "خادشة"، قامت الممثلات بأدائها في بعض الأفلام. وفي ذات الوقت، يرى بعض الفنانين بين مغنين وممثلين أن الفن مهنة كغيره من المهن الأخرى لا يعيب صاحبها شيء، في حين يرى آخرون أنه قد يكون طريقاً للذنوب، ولذلك لجأ بعضهم إلى اعتزال هذا المجال من أجل الدين؛ فهناك مجموعة من الفنانين الذين ابتعدوا عن التمثيل وتفرغوا للعبادة، ولو أن بعضهم التزم ذلك منذ عقود، لكن البعض الآخر عاد من جديد، لكن هذه المرة من دون ضوء حقيقي.

المساهمون