أفلام الإرهاب في السينما المصرية: التنيمط يُغالب الجدية

أفلام الإرهاب في السينما المصرية: التنيمط يُغالب الجدية

13 مايو 2017
عادل إمام (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
بعد اغتيال الرئيس الاسبق أنور السادات عاشت مصر في وضع أمني غير مستقر، وهو ما أثر على صناعة السينما خلال تلك الفترة، وظهرت العديد من الأفلام التي تتناول "الإرهاب" خلال تلك الفترة، أغلبها يقدمه بصورة كاريكاتورية ونمطية، والقليل جداً منها يحاول فهم دوافعه ويتعامل مع أفراده بجدية. الآن، ومع عودة "الإرهاب" بشكل قد يكون أكثر حدة، وتهديدات تنظيم "داعش" الجديدة بعمليات منظمة تستهدف منشآت وأماكن حيوية داخل الدولة المصرية، فقد بدأت السينما مرة أخرى في تناول العنف والإرهابيين، وهو ما يستدعي تناول ما سبق أن قدمته في هذا السياق.

تنميط وسخرية وكاريكاتيرية
أول الأفلام المصرية التي تناولت الإرهاب كان، وبأكثر التسميات مباشرة، فيلم "الإرهاب"، من إخراج نادر جلال، ويقوم فيه فاروق الفيشاوي بدور الإرهابي، لا يهتم الفيلم أبداً بالدوافع ولا بأي دقة لها علاقة بالـ"تنظيم"، يختصر الأمر بكون تلك العمليات تحدث بتمويل وخطط من جهات خارجية مقابل حفنة من الأموال، في ترسيخ لنظرية "المؤامرة" الذي ستحرك الأمور كثيراً بعد ذلك.
في السنوات التالية، تكررت الأفلام التي تتناول الإرهاب بشكل مباشر أو يتواجد داخلها شخصية متطرف دينياً، مثل فيلم "الخطر" (1990) و"انفجار" (1990) أو "الناجون من النار" (1996)، وفي هذه الأفلام يبدأ الأمر من "عملية إرهابية" ومحاولة إنقاذ، سواء إيقاف التفجير أو ملاحقة مجموعة، دون مقاربة جدية للواقع أو تناول "دوافع" أو "أهداف" هذه المجموعات
النظرة الأقرب في تلك الفترة كانت في فيلم "الإرهابي" (1994)، من إخراج نادر جلال وبطولة عادل إمام، والذي أثار جدلاً رهيباً خلال التسعينيات. للمرة الأولى يكون "الإرهابي" هو بطل الفيلم، وبأداء النجم المصري الأكثر جماهيرية، ويتناول حادثة مدوية مثل اغتيال المفكر "فرج فودة" الذي جرى قبل عام واحد من إنتاج الفيلم. وبالرغم من أنه عمل أقرب لتفكير تلك الجماعات، ويعرض حوارات مطولة بين "علي" بطل الفيلم وبين زعيم الحركة التي ينتمي إليها، إلا أنه لم يخلُ من "كاريكاتيرية" وسطحية في التعامل، حيث يغير المتطرف أفكاره بمجرد التواجد وسط أسرة مصرية، وبالكثير من "النمطية" مثل لقطة احتضانه للجار المسيحي أو علاقة الحب التي تجمعه بالابنة الكبرى للأسرة. ومنذ ذلك الفيلم، تكرر ظهور "المتطرفين" في أفلام ومسلسلات عادل إمام، دون أن تخلو في أي مرة من صورة هزلية، مثل أفلام "السفارة في العمارة" أو "حسن ومرقص" أو مسلسل "مأمون وشركاه"، حيث الإرهابي مجرد شخص متجهم بجلباب ولحية طويلة ويزعق بصوت عال طوال الوقت.

في المقابل، يمكن ربط المحاولة الجدية في التعامل مع "الإرهاب" وفهم عناصره والمنتمين له برجلين فقط في السينما المصرية؛ أولهما هو المؤلف وحيد حامد، الذي تحمل أفلامه رؤية واحدة عن "الإرهاب كنتيجة للقهر الاجتماعي". فيلم "الإرهاب والكباب" (1992) أول ما حمل تلك الرؤية، ورغم عدم احتوائه على متطرفين بشكل مباشر، إلا أن حكايته واضطرار مواطن عادي لحمل السلاح وأخذ رهائن في مجمع التحرير لأنه "يتعرض للقهر ولا يستطيع إنهاء أوراقه" كان إشارة مبكرة وسابقة جداً للعلاقة بين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وبين "نشأة إرهابي محتمل". نفس الصورة يكررها بشكل أوضح في "دم الغزال" (2004) حيث الغياب للقانون والسلطة والحقوق في إحدى الحارات بمنطقة إمبابة، يحول "طبالاً" إلى إرهابي بسبب إهانته على يد بلطجي. وتبلورت الرؤية عن قرب أكثر في مسلسله "الجماعة" (2010)؛حيث يجعل الفقر وغياب دور الدولة والرعاية الاجتماعية والإنسانية من قبل الجماعات المتطرفة للمهمشين هي البذرة الأساسية لوجود "إرهاب".

أما الاسم الثاني فهو المخرج يوسف شاهين، الذي انطلق من نقطة شخصية لها علاقة بقرار الممثل محسن محيي الدين، الذي تعاون معه في أربعة أفلام مهمة خلال الثمانينيات، أن يعتزل السينما في مطلع التسعينيات ويتبرأ من أفلامه لأنها "حرام". "شاهين" أراد فهم كيف تحول "الفتى الصغير الموهوب" إلى شخص ضد الفنون، لينتج بناء على ذلك فيلم "المصير"، ويجعل شخصية "عبد الله" هي تجسيد "محيي الدين"، ورحلة تحوله إلى التطرف الفكري باسم الدين، ليربط "شاهين" الأمر بالإغواء والتسرسب وإشعار الشخص بذاته وإبهاره بعالم جديد سيكون فيه أفضل، وكيف يرتبط ذلك بالسياسة والسلطة وطرح المتطرفين أنفسهم باعتبارهم ذراعاً للحاكم. قبل أن تمتد الرؤية الشاهينية لفيلمه التالي "الآخر"، حيث تدخل السياسة العالمية كعنصر أساسي في خلق "الإرهاب"، وفي النهاية تقتل شخصيات "شاهين" في حالة الصراع المحتدمة بين "السلطة والتطرف"، فهو يراهما عنصرين متشابهين.

السينما والإرهاب الآن
بعد سنوات طويلة، وبسبب ما يحدث حالياً، عاد الإرهاب مرة أخرى للسينما في فيلم "القرموطي في أرض النار" (2017)، متناولاً تنظيم "داعش" بنفس الكاريكاتيرية القديمة ونظرية المؤامرة التي تأسست في فيلم "الإرهاب" قبل 28 عاماً، حيث مجموعة من المرتزقة التي تعمل بمخطط دولي. والسؤال؛ بعد هذا التاريخ الطويل الممتلئ بالكاريكاتيرية وتندر فيه الجدية، هل يمكن أن نرى أفلاماً جديدة تتناول الإرهاب والتطرف بجدية ومحاولة للفهم في وسط تلك المرحلة التاريخية المعقدة والصعبة؟

المساهمون