فاغنر مورا: "لستُ مخرجاً بل ممثلاً يُخرج الأفلام"

فاغنر مورا: "لستُ مخرجاً بل ممثلاً يُخرج الأفلام"

13 يناير 2020
فاغنر مورا: التجارب هي الأساس (سامي عبدالله/العربي الجديد)
+ الخط -
ذاع صيت البرازيلي فاغنر مورا دولياً بفضل دور بابلو اسكوبار، في مسلسل "ناركوس". لكنّه لفت الانتباه أخيراً بفضل حدثين: تمثيله دور أحد الجواسيس الكوبيين الخمسة في "الشبكة الكوبية"، أحدث أفلام أوليفييه أساياس؛ وإخراجه "ماريغيلاّ"، المشروع السينمائي الذي كان يطمح إليه منذ زمن طويل، عن المناضل الماركسي الذي اغتاله النظام العسكري في البرازيل عام 1969.


عن تجربة إقامته في كوبا لتصوير فيلم أساياس، والحملة التي تعرّضت لها باكورته، منذ وصول جائير بولسونارو إلى سدة الرئاسة البرازيلية، كانت هذه المقابلة التي أجرتها "العربي الجديد" مع مورا، الفنّان اليساري الملتزم.

كيف تمّ اختيارك للعمل على فيلم "الشبكة الكوبية" لأوليفييه أساياس؟
التقيتُ أساياس في لوس أنجليس العام الماضي. كلّ شيء تطوّر بسرعة فائقة. تعرّفتُ إليه نهاية عام 2018. صوّرنا الفيلم مطلع عام 2019. انتهى المونتاج في مايو/ أيار الماضي. أساياس رهيب. إنّه من السينمائيين الذين يعرفون تماماً ماذا يريدون، ويحصل دائماً على ما يريد. كان مصمّماً على عرض الفيلم في البندقية، وهذا ما حدث. مقارنة بهذا، أخرجتُ أخيراً فيلمي الأول، "ماريغيلاّ". أمضيتُ عاماً كاملاً في غرفة المونتاج. الدافع الوحيد الذي جعلني أنهيه هو أنّه لم يبقَ معي مالٌ للاستمرار في هذه الحالة من المماطلة الإبداعية. ما تطلّب منّي أعواماً لإنجازه، أنجزه أساياس في شهرين.

أساياس أول فرنسي تعمل وإياه. هل هو مختلف عن الآخرين جميعهم في مقاربته السينما؟
صحيح. هو مختلف، لكن ليس لأنّه فرنسي. كنتُ معجباً به كسينمائي قبل أن يجمعنا هذا الفيلم. عندما التقيتُه شخصياً، زاد إعجابي به. يمتاز بالخفّة والطرافة. حريصٌ دائماً على إعطائك حيّزاً خاصاً بك. لطالما أحببتُ أفلامه. هناك تأثير "كارلوس" في "ماريغيلاّ". الأمر الآخر الجيد في "الشبكة الكوبية"، وجود عدد من الممثّلين اللاتينيين، الذين أنظر إليهم بإعجاب شديد. كلّ واحد منهم جاء من بلد: فنزويلا، المكسيك، إسبانيا، كوبا، الأرجنتين... إلخ.

أنا شخصٌ مسيّس بطبعي، لذلك كان الأمر جميلاً، أنْ نجتمع كلّنا في كوبا، ونناقش أوضاع بلداننا. تسنّى لي أنْ أناقش الوضع الفنزويلّي مع إدغار راميريز. التصوير أتاح لنا التعرّف إلى كوبا بشكل أفضل. هناك طريقتان للنظر إلى الوضع الكوبي، وكلاهما يمتازان بالتبسيط الشديد: الأولى، هي النحو الذي أرى فيه كوبا، أي من المعسكر اليساري الرومنطيقي. الثانية، هي نظرة المعسكر اليميني المحافظ، وهؤلاء نظرتهم حقيرة جداً، تفتقر إلى التعاطف الإنساني. التواجد في كوبا يجعلك تفهم حقيقتها أكثر، بعيداً من الآراء المتضاربة في شأنها. بصراحة، النظرتان لكوبا تنطويان على مبالغة. الفيلم يحاول إيجاد توازن بين الطابع الملحمي الذي يسعى إلى شرح ما حصل في كوبا في التسعينيات الفائتة، والطابع الدرامي الذي يجد ضالته في معالجة الشخصيات.

لعلّ أكثر ما يلفتني في أساياس هو اختياره لممثّليه: يختارهم، ثم يدعهم وشأنهم. كأنّه يبني الشخصيات "حول" هؤلاء الممثّلين، وما سيجلبونه معهم.



هل كنتَ تعرف قصّة الجواسيس هذه، قبل الانضمام إلى طاقم الفيلم؟
نعم. أتذكّر جيداً عندما تمّ توقيف الجواسيس الخمسة. شغلوا الإعلام لبعض الوقت. أتذكّر أنّي قلتُ في سرّي: "هذا ظلم". محاكمتهم في ميامي لم تكن مقبولة. هؤلاء الشباب لم يكونوا عملاء سرّيين، مثل جيمس بوند. بذلوا جهداً كبيراً لإيقاف الأعمال الإرهابية في بلدهم. طبعاً، قرأتُ الكتاب الذي ألّفه صحافي برازيلي، أعرفه. كنتُ على اطّلاع أيضاً على الوضع السياسي والاجتماعي لكوبا في التسعينيات الماضية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

شخصيتك، خوان بابلو روك، مُلتبسة وحمّالة أوجه.
شاهدتُ الفيلم مؤخّراً. كانت هذه أول مرة أشاهده. صوّرنا الفيلم، وفقط عند مشاهدتي إياه بدأتُ أعي حقيقة الشخصية. صرت أصرخ: "آه، هكذا إذاً".

هل قابلتَ الشخصية الحقيقية قبل التصوير؟
لا (ضحك). بدايةً، لا أعلم ما رأيه بتصوير فيلم عنه. تجسيد كاراكتير عن شخصية حقيقية لم يكن هوايتي يوماً. ربما تستغرب أنّ الشخص الذي اشتهر بدور بابلو اسكوبار، في مسلسل "ناركوس"، يقول لك كلاماً كهذا. لكن، هناك مسؤولية في نقل حياة أحدهم إلى الشاشة. لم أقابل الشخصية التي أجسّدها، لأنّي لم أرغب في أنْ يتوقّع أيّ شيء منّي. تكفيني مسؤولياتي كممثّل. ما حاولتُ فعله هو أنْ أزيل من عقل المتلقّي كلّ الأشياء التي يعرفها عن الشخصية، لتقديم نسخة جديدة عنها. في النهاية، هذا ما سيفعله أي ممثّل. كلّ ممثّل سيلعبها على طريقته الخاصة.

لنتحدّث عن "ماريغيلاّ"، أول فيلم من إخراجك، الذي عُرض في مهرجان برلين الأخير.
أدهشتني التجربة. لا أعتبر نفسي مخرجاً. أنا ممثّل يُخرج الأفلام. هكذا أرى نفسي. هناك فرق. فاجأني أنْ كلّ شيء حدث بطبيعية وتلقائية. كنتُ محظوظاً أنّي مُحاطٌ بفريق عمل أعرف أعضاءه جيداً، لاشتغالي وإياهم كممثّل. المسألة برمّتها أثارت الرغبة عندي، بشكل غير مسبوق. أضف أنّ موضوع الفيلم مهمّ. "ماريغيلاّ" فيلمٌ عن المقاومة التي نشأت في البرازيل ضد الديكتاتورية، في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته. نظراً إلى الوضع السياسي الذي تعيشه البرازيل حالياً، كانت هناك رغبة كبيرة من الجميع في إنجاز هذا الفيلم، كنوعٍ من بيان.

هل لاقى "ماريغيلاّ" طريقه إلى الجمهور؟ قلتَ في برلين إنّ مصيره مهدّدٌ في ظلّ الحملات ضده.
للأسف، لم يعرض الفيلم في الصالات بعد. أصلاً، نحن لم ننجزه لمواجهة الرئيس بولسونارو. لكن، هناك حقيقة لا مفرّ منها، وهي أنّ الفيلم يتحدّث عن كلّ شيء يكرهه بولسونارو، ويعاديه. هذا يجعل الأشياء أصعب. تمّت مقاطعتنا منذ مرحلة البحث عن تمويل. لم يرغب أحدٌ في الاستثمار في شخصية حُذِفت من التاريخ البرازيلي. يُقال دائماً إنّه يجب عدم التحدّث عن ماريغيلاّ. عرض الفيلم أخيراً في تشيلي، وعلاقة التشيليين بديكتاتوريتهم مختلفة كلّياً عن علاقة البرازيليين بديكتاتوريتنا. نحن قمنا بما يسمى العفو العام، الذي غفر ذنوب أناسٍ مارسوا التعذيب. الشعار المرفوع في البرازيل اليوم هو: "دعونا لا نتكلّم عن الماضي، ونستمتع بحياتنا". لكن، بسبب هذا العفو، لدينا اليوم رئيس مثل بولسونارو. لدينا رئيس يمدح التعذيب علناً. كيف وصلنا إلى هنا؟ آه، من الجيد أنْ نطرح هذا السؤال على أنفسنا. لعلّ الجواب هو أنّنا وصلنا إلى هنا، لأنّنا لم نهتمّ بذاكرتنا.

يجب القول إنّ على الثقافة والسينما والصحافة أنْ تساهم في نشر الوعي. لا يمكن التغاضي عن أشياء كهذه. ماريغيلاّ حُذِف من تاريخنا. انطلقتُ من هدف إعادة موضعته في تاريخنا. لم يخطر في بالي مواجهة بولسونارو. هو لم يكن أصلاً سوى نكتة عندما بدأتُ العمل على الفيلم. فرصته في أنْ يُنتخَب رئيساً تُقارب الصفر. لهذا السبب، بتُّ أعتبر أنّه ما عاد ممكناً التعامل مع الأشياء باستخفاف. إذا ادّعى أحدهم أنْ الأرض مُسطّحة، سأقول له: "دعنا نناقش الموضوع". لكن، لن أعتبر ما يقوله نكتة. كلّ شيء بات ممكناً. هناك تاريخ عرض للفيلم. لكن، إذا سألتني هل سيُعرض حقاً، لا أستطيع الجزم. لا أحد يمكن أنْ يعرف ماذا سيحصل في البرازيل بعد أسبوع من اليوم.



هل تشعر أنّك في أمان في البرازيل؟
أشعر بالأمان. لكن المشكلة أنّ لدينا رئيساً لا يتعامل كرئيس، بل كمراهق. رئيس ينكر التغيير المناخي، وإن لم يتعارض هذا الإنكار مع القوانين، فهذا يشجّع الناس على القيام بأعمال مشبوهة. إذا مدح التعذيب، فهذا يدفعهم إلى اعتناق أفكار مشابهة. لذلك، عندما قلتُ سابقاً إنّي لا أشعر بأمان في بلدي، كنتُ أعني أنّ كلّ شيء ممكن. لا أحد قادر على توقّع أي شيء. عندما أتوجّه إلى مكان ما، أعلم مسبقاً مَن الذي سيكون متواجداً في ذلك المكان.

ألا تندم على تخليك عن الصحافة، والبلد أحوج ما يكون إليها؟
(ضحك). عملي في الصحافة عظيمٌ لي. لكنّي كنتُ أعلم دائماً أنّ عليّ استثمار طاقتي في الفنّ بدلاً من الانخراط في عالم الوقائع والأخبار. ما تعلّمته من الصحافة سيبقى داخلي إلى الأبد.

ختاماً: هل تغيّر الكثير في حياتك بعد الاضطلاع بدور بابلو اسكوبار في مسلسل "ناركوس"؟
بسبب الانتشار الرهيب لـ"نتفليكس"، جعلني "ناركوس" مشهوراً في كلّ مكان. صوّرنا فيلماً في الأردن قبل نحو عام، والجميع يعرفون "ناركوس". الجمهور يعي ماذا تفعل أينما حللت. هذه إضافة للممثّل. لكن، لا أقيس الأشياء بهذا المقياس. ما يهمّني هو التجارب. كما قلتُ سابقاً، أعتقد أنّ أعظم ما حصل في "الشبكة الكوبية" هو التواجد في كوبا، وما أضافه هذا التواجد إلى حياتي. لا أشارك في فيلمٍ فقط لأنه مشروع كبير، أو لأنّه يحقّق لي مردوداً مادياً عالياً. التجارب هي الأساس. في المقابل، أنْ يتابع الناس "ناركوس"، فهذا شيء عظيم، يجعلني قادراً على امتلاك حرية الاختيار.

المساهمون