ثلاثة أفلام لـ"نتفليكس": سرّ يصنع خديعة

ثلاثة أفلام لـ"نتفليكس": سرّ يصنع خديعة

11 مايو 2020
كاميلا مانديس: "أكاذيب خطرة" (مايكل كوفاك/Getty)
+ الخط -
السرّ، أو بتعبير آخر إخفاء وقائع ومعطيات، يؤدّيان إلى شكوكٍ ومصائب، قبل انكشافهما وبعده، علماً أنّ بعد الانكشاف أخطر، غالباً. هذا حتميّ. العلاقات القائمة بين مُقرّبين تتطلّب مُصارحة وصدقاً، في الحبّ والعائلة والصداقات والأعمال. هامش الحميميّ والذاتيّ والشخصيّ يُفترض به أنْ يحضر. لكن السرّ، أو إخفاء ما يُمكن أنْ يُسبِّب تمزّقاً في العلاقة، أو تصادماً أو انتقاماً، خطران للغاية.

المشترك بين ثلاثة أفلام حديثة الإنتاج (2020)، معروضة حالياً على شاشة المنصّة الأميركية "نتفليكس"، كامنٌ في السرّ، وإنْ يتفاوت حجمه ومخاطره وأشكال التعبير عنه أو ممارسته. المصلحة الفردية تطغى على أمور وتفاصيل. التغاضي والنسيان/ التناسي أيضاً. حجم السرّ مختلف، لكنّ إخفاءه يُثير شكوكاً، ومع وقوع حدثٍ ما، يبدأ المخفيّ بالظهور شيئاً فشيئاً، بطريقة تزيد من التهلكة، المعنوية والروحية، والجسدية أحياناً. السرّ، في الأفلام الثلاثة، خديعة لتحقيق شيء ما، أو لتغييب شيء ما. لكنّ الوقت كفيلٌ بالفضح والتعرية.

الفقر مشترك ثان. الشخصيات الأساسية غارقةٌ فيه كلّياً. لكنّه، في فيلمين اثنين، يُسبِّب للشخصيات ضيقاً وحرجاً، فيدفعها إلى اغتنام أيّ فرصة ممكنة للانقضاض عليه، والتخلّص منه. أساليب الانقضاض مشروعة، فالهدف أسمى وأهمّ: الانتقام. كأنّ تحصيل المال، بشتّى الوسائل، مجرّد انتقام من فقرٍ وعوز وقهر، أكثر من كونه رغبة في الثراء فقط، رغم أنّ رغبة كهذه حاضرةٌ بدورها. الفقر، في الفيلم الثالث، يبقى فقراً، وأشكاله ومسالكه باقيةٌ، أما نتيجته فمختلفة: تمزّق عائليّ أكبر، يكشفه اختفاء الابنة وموتها قتلاً.

لكنّ الأفلام الثلاثة غير معنيّة بفكرتي السرّ والفقر، ونواتهما ونتائجهما وأسبابهما، فكرياً أو اجتماعياً أو حياتياً أو نفسياً. أحداثها مرتبطة بجشعٍ أو كذبٍ أو احتيالٍ أو مواربة أو تعطيلٍ لعيشٍ هادئ، ومتعلّقة بطمعٍ في المال، أو بصدامٍ قديم، أو بارتباكٍ آنيّ، أو باستسلام وارتهان. أحد تلك الأفلام يجمع، في عنوانه، ترجمتين ضمنيتين للسرّ: "أكاذيب خطرة (Dangerous Lies)" لمايكل سكوت. فإخفاء وقائع يصنع أكاذيب، ومسار أحداثٍ جانبيّة تصنع مخاطر منبثقة من الإخفاء نفسه، ومن الأكاذيب أيضاً. أما النهاية، التي يُفترض بها أنْ تكشف كلّ شيء، فـ"توهم" بـ"قطبة مخفيّة"، لن تنجلي صورتها، ولن تتأكّد معالمها.
حصول كاتي فرانكلين (كاميلا مانديس) على ثروة هائلة، بعد وفاة العجوز ليونارد (إيليوت غولد)، يُدخلها في سلسلة قاسية من التحدّيات غير المعتادة عليها، ويُغرقها في انكشافات تنبثق من خفايا تشعر بها من دون تبيان حقائقها. مسائل تظهر رويداً، فتزداد الأمور تعقيداً. المال مُغرٍ، لكن في العلّية جثة تظهر فجأة، والألماس الذي في "حوزتها" مُغرٍ بدوره. تتداخل مسارات وشخصيات بعضها ببعض، والدم كثيرٌ. لكنّ سرّ الأسرار يرتبط بكاتي: أهي فعلاً بريئةٌ، إلى الحدّ الذي تبدو عليه؟



مثلٌ ثانٍ: اختفاء الابنة الكبرى بعد ساعات على ترتيب موعد زيارة للعائلة (إثر غيابٍ مديد)، يدفع والدتها ماري جيلبرت (آمي راين) إلى التعرّي أمام ابنتيها الأخريين، وإلى تعرية مجتمع منغلق على نفسه أيضاً، في "فتيات مفقودات (Lost Girls)" لليز غاربس. البحث عن المفقودة يتحوّل إلى مواجهة ذاتٍ وماضٍ، وإلى كشف بيئة ونظام حياة. مسار البحث عنها أشبه باغتسالٍ، والعثور على جثث شابات مفقودات منذ وقتٍ، أشبه بعزاء ومُصالحة.



هذا يختلف تماماً عن الألماني "الارتفاع عالياً (Rising High)" لشونيت كايا (الفيلمان السابقان أميركيان): السرّ يتحوّل إلى كذب وافتراء، والاحتيال صفة تجمع فيكتور شتاينر (ديفيد كروس) صدفةً بغاري فالكلاند (فريدريك لو)، فيبدآن معاً رحلة الصعود إلى قمّة الثروة والسلطة المالية، باستخدام الكذب والاحتيال (وما يحتاجان إليه من أسرار أيضاً)، برفقة شريكة تُدعى نيكول كليبر (جانينا أوز)، يتزوّجها فيكتور، قبل انفضاض العقد بينهم، فمصير الثراء غير المشروع عنيفٌ، غالباً.



سينمائياً، الأفلام الثلاثة مشغولة بحرفية التشويق المبطّن، وبعضها مائلٌ إلى كوميديا خفيفة. تحقيقات ومسارات وصدامات مصنوعة بتقنية سينمائية مُثيرة للمتابعة، من دون أي جديد بصري لافت للانتباه. أفلام مُسلّية، بعنفها وغضب شخصياتها وانكساراتهم وجنونهم وخيباتهم وانتصاراتهم المبطّنة.

دلالات

المساهمون