"هاند مايدز تايل": العالم بعينٍ نسوية

"هاند مايدز تايل": العالم بعينٍ نسوية

26 اغسطس 2019
بطلة العمل إليزابيث موس (هولو)
+ الخط -
قبل أيّام، انتهت شبكة Hulu "هولو" من عرض الحلقة 13 والأخيرة من الموسم الثالث من المسلسل الأميركي The Handmaid's Tale. المسلسل مقتبس عن رواية صدرت عام 1985 بنفس الاسم للكاتبة الكندية مارغريت آتوود. علمًا أنَّ ثمة محاولة سينمائية في اقتباس نص الرواية ضمن إطار فيلم عام 1990، لم يثر اهتمام النقّاد آنذاك، بل وصف بأنّه فيلم ضعيف وبعيد كل البعد عن أجواء الرواية. 

ورغم تصدُّر الممثلة الأميركية، إليزابيث موس، والتي تقوم بدور الخادمة "أوفريد" دور البطولة في المسلسل، إلا أنَّ العمل يحفل بمجموعة من الشخصيات المحوريّة التي تؤلّف قصته، منها مثلاً: جوزيف فينس في دور "القائد واتردفورد"، والممثلة الأستراليّة إيفون ستراهوفسكي في دور "سيرينا" زوجة "القائد واتردفورد"، وإليكسيس بليدل في دور الخادمة "أوفجيل"، وآن دود في دور أساسي ومحوريّ أيضاً في السلسلة هو "العمة ليديا"، والممثلة الأميركية سميرة وايلي بدور "مويرة".

بداية، يجب القول إنّ الرؤية الفكريّة العامة التي يعالج فيها المسلسل إشكالياته، مستقاة بدرجة أساسيّة من أدبيات الموجة الثانية من الحركة النسويَّة. وبالضبط إشكالية العلاقة بين الذكورة والسلطة، ونقد سياسات الهوية التي تتوّج بصعود اليمين القومي والشعبوي المتطرّف في العالم عموماً، وأميركا خصوصاً. تؤكّد الرؤية العامة للمسلسل أنَّ صعود اليمين وقمع المرأة (والأقليات عمومًا) هما أمران متلازمان، إذْ يرى اليمين بأنّ المرأة هي "الحلقة الأضعف" في المجتمع، وتقتصر وظيفها على العمل البيتي اليدوي إضافة إلى وظائف الإنجاب والأمومة.

ليس العمل بأجزائه الثلاثة ضربًا من ضروب الخيال أو الفانتازيا على الإطلاق. كما أنَّه لا يمكن تسميته بعملٍ واقعي. هو استشرافٌ يقع بين حاضر غير مبشرٍ، ومستقبلٍ مجهول. "جيلياد" أو "جلعاد" هي دولة أسّستها مجموعة يمينية متطرّفة في الولايات المتحدة الأميركيَّة، مؤلفة من رجال بيض "أقوياء"، يهيمنون على مناطق وولايات كبيرة في الولايات المتحدة الأميركيَّة، وينشؤون نظامًا دينياً محافظًا غريبًا من نوعه. إذْ لا دكتاتورية فرديّة أو حزبيّة، وإنما دكتاتورية قائمة على سلطة النص الديني المسيحي. تتشكّل "جلعاد" كما نفهم في سياق الأجزاء الثلاثة لعدة أسباب، منها هيمنة سياسات الهوية وخطاب المؤسسة الليبرالية الساذج، وضرر هائل في النظام البيئي بسبب المخلفات النووية والتلوث الذي يؤدّي بشكل أو بشكل آخر إلى تأثر قدرة النساء على الإنجاب، إذْ تمتلك امرأة واحدة فقط من بين 4 نساء القدرة على الإنجاب. لذلك، فإنَّ كل امرأة قادرة على الإنجاب في دولة "جلعاد" تعمل فقط على أداء الوظيفة الإنجابيَّة عن طريق استعبادها من قبل عائلة قويّة مؤلفّة من رجلٍ وامرأةٍ لا يمتلكون القدرة على الإنجاب (بسبب الظرف البيئي المشروح أعلاه)، إذْ يحتوي دستور "جلعاد" على طقس ديني يسمّى بـ "المراسم" يقوم فيه الرجل بـ"تلقيح" (ممنوع استعمال عبارة ممارسة الجنسّ أو أي شيء يحيل إلى اللذة في الدولة المزعومة) الخادمة، وبحضور زوجته. تجلس الخادمة في حضن الزوجة، ويقوم الرجل باغتصابها في مشهد قاسٍ يختصر كل عذابات المرأة عبر كل القرون التي مضت.

تنجب "أوفريد" طفلةً لعائلة "القائد وواترفورد" المؤلّفة من القائد نفسه وزوجته "سيرينا". توضح أحداث الجزء الثاني بأنّ "سيرينا" قادرة على الإنجاب على عكس زوجها! وبأنّ "أوفريد" وقعت في علاقة حب مع "نيك" وهو سائق "القائد وواترفورد"، لتنجب طفلاً من "نيك" يتم تهريبه خارج "جلعاد" في آخر مشهد من الجزء الثاني. تبقى "أوفريد" في "جلعاد" لأنها تبحث عن ابنتها "هانا" التي خطفت منها لحظة إلقاء القبض عليها من قبل قوات "جلعاد" الخاصة قبيل قيام الدولة. تم فصل "أوفريد" عن "هانا" التي تعيش مع عائلة أخرى في مدينة ليست قريبة من مدينتها.

في الجزء الثالث، يتم نقل "أوفريد" إلى بيت "القائد لورانس" وهو المؤسّس النظري لكل فكرة دولة "جلعاد". يتحرّك الضمير العميق لـ "القائد لورانس" بسبب الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في "جلعاد"، ويندم بشكلٍ واضح على فعلته في التنظير لهكذا نظام سياسي - اجتماعي، فيساعد "أوفريد" على تهريب أكثر من 52 طفلاً خارج الدولة اليمينيَّة؛ أطفال إما أخذوا من خادمات تعرّضن للاغتصاب على يد رجال "جلعاد" أو خطفوا من أسرهم أثناء تأسيس الدولة، تراقب "أوفريد" كل الأطفال بحثاً عن طفلتها "هانا" لكنّها لا تجدها، لتقرّر في النهاية البقاء في "جلعاد"، والامتناع عن السفر في عملية التهريب الكبرى، إيمانًا بأنها ستجد طفلتها "هانا". يتم التخطيط لعملية التهريب بدقة وبتعاون عدد كبير من النساء، إذْ تشكل النساء في "جلعاد" شبكة مقاومة تحتيّة في غاية الدقة والتنظيم، يتم فيها تبادل الرسائل بخصوص العمليات في ظلّ نظام شمولي أبوي ذكوري ديني، شديد البوليسية.

حصل المسلسل على عددٍ كبير من الجوائز، نذكر منها جائزة "إيمي برايم تايم" لأفضل ممثلة رئيسية في مسلسل درامي نالتها إليزابيث موس، وجائزة "غولدن غلوب" لأفضل مسلسل درامي تلفزيوني، وجائزة نقابة المؤلفين الأميركية لأفضل مسلسل جديد. وجائزة "جولدن جلوب" لأفضل ممثلة في مسلسل تلفزيوني لفئة الدراما، نالتها أيضاً إليزابيث موس، وجائزة "إيمي برايم تايم" لأفضل مسلسل درامي، وجائزة "إيمي برايم تايم" أيضاً للكتابة المتميّزة للمسلسل الدرامي نالها بروس ميلر.








المساهمون