أفلام "كانّ 2019": نزاعات وأحلام

أفلام "كانّ 2019": نزاعات وأحلام

22 مايو 2019
مونية شكري: حكاية متاهات وعلاقات (Getty)
+ الخط -
مساء 15 مايو/ أيار 2019، افتُتح قسم "نظرة ما"، ثاني أهم فعالية بعد المسابقة الرسمية في مهرجان "كانّ" السينمائي، الذي تُقام دورته الـ72 بين 14 و25 مايو/ أيار 2019، وذلك بعرض "زوجة شقيقي" للكندية التونسية مونية شكري، كاتبةً ومخرجةً. به، تتنافس شكري على جائزتي "نظرة ما" و"الكاميرا الذهبية" للعمل الأول.

يروي الفيلم حكاية صوفيا (آن ـ إليزابيت بوسّي)، الحاصلة حديثًا على دكتوراه متخصّصة باشتغال نادر على الفلسفة عبر أعمال أنتونيو غرامشي. ورغم أنها في منتصف ثلاثينياتها، لا تزال تبحث عن نفسها، بالمستويات كلّها. بدايةً، لا تعثر على عملٍ، لأنّ مؤهّلاتها "زائدة عن اللزوم"، ولا تجيد القيام بأي عمل، كما يُقال لها. اضطراب صوفيا وتخبّطها الحياتي يتجلّيان في المستويات النفسية والاجتماعية والعاطفية.

تنتمي صوفيا إلى عائلة بورجوازية من كيبيك الكندية، منفتحة ومتسامحة للغاية. الأب تونسي، والأم كندية. مرتبطة ارتباطًا شديدًا بشقيقها الأصغر هشام (ساسون غاباي). تعيش معه. نراهما معًا طوال الوقت. تشاركه حياته، وأدقّ التفاصيل والأسرار. تتعقّد الأمور، مع تعرّف هشام إلى فتاة جميلة هادئة، تُدعى إلويز (إفلين بروشو). بطريقتها الخاصّة، تحاول إفساد علاقته بها. بدوره، يحاول مساعدتها على تجاوز تخبّطها وعزوبيتها.

"زوجة شقيقي" مليء بثرثرات حوارية كثيرة، لا تتوقّف طوال مدّة الفيلم (117 دقيقة). إلى هذا، هناك مواقف كوميدية كثيرة، تنبع من الحوارات السريعة تارة، ومن المواقف المتعدّدة تارة أخرى، تلك التي تضع مونية شكري بطلتها فيها. خلطة من التمثيل والحوار والإخراج، تجمع بين الموسيقى والغناء والكوميديا والـ"فَارْس"، تؤدّي في النهاية إلى صعود إيقاع الفيلم وهبوطه في فترات كثيرة، وإلى اختلال الإيقاع، الذاهب إلى الملل وفقدان الترابط بين المكوّنات تلك. في الوقت نفسه، هناك عجز عن إقناعٍ كافٍ بتعميق شخصية صوفيا، وسبب اضطرابها الحياتي، وارتباطها بشقيقها، كما باتجاه الأمور إلى خاتمة سعيدة.

ثاني الأفلام المعروضة في القسم نفسه يحمل عنوان "ثور" للأميركية آني سيلفرشتاين (مخرجة وكاتبة السيناريو بمشاركة جوني ماك آليستر)، وهو الأول لها (ينافس أيضًا على الجائزتين نفسهما). تدور أحداثه في ولاية هيوستن، بإيقاعٍ سردي بطيء. يطرح قصّة مستهلكة عن انعدام التواصل، والتفكك الاجتماعي، ومشكلة المُراهقة، وإنْ يكن تناول تلك المواضيع جدّيًا بعض الشيء. كريس (آمبر هافارد)، تبلغ من العمر 14 عامًا، وتبحث عن شخصيتها، وتحاول تلمّس طريقها في الحياة، من دون نموذجٍ ينصحها ويوجّهها. تعيش مع جدّتها المريضة، غير المكترثة كثيرًا، وشقيقتها الصغرى. الأب غائب، من دون أسباب تذكر، والأم خلف القضبان.
كريس نموذج لفتاة في بداية المراهقة. تهيم مع رفاق المدرسة، وتعيش الحياة كيفما اتفق، وتنفتح على التجارب الجديدة كلّها، بصرف النظر عن العواقب. مع بداية الفيلم، تحدث مناوشات عدائية بينها وبين جارها الأفرو - أميركي آبي (روب مورغان). تدريجيًا، يتّضح أن آبي محترف سابق في مصارعة الثيران، لكنه الآن شبه متقاعد، بسبب تقدّمه في العمر، وإصاباته العديدة. لذا، يمارس عمله بشكلٍ متقطّع، سرًا في الحلبات غير الاحترافية، كما يعمل مدرّب مصارعة.

على نحو يسهل التكهّن به، تتحسّن العلاقة بين كريس وآبي، وتتحول إلى شبه صداقة، تظلّ في إطارها من دون أن تتحوّل إلى علاقة أبوية كاملة. من خلال الاقتراب من آبي والتعرّف إلى حياته، تكتشف كريس عالم مصارعة الثيران، فتنجذب إليه تدريجيًا، وتُصرّ على العمل فيه رغم معارضة آبي. تنصرف كريس عن رفاقها، وتتخلّى عن توزيعها المخدرات، تحدوها رغبة جارفة في أن تصير مصارعة ثيران. بمساعدة آبي، تحاول تحقيق ذاتها، وتعثر على عالمها في تلك الرياضة الخطرة.

من جهته، يعود الروسي كنتَمير بالاغوف إلى "نظرة خاصة" بثاني عمل روائي طويل له، بعنوان "بينبول"، بعد عامين على فوزه بجائزة "الاتحاد الدولي للنقاد" عن "تقارب" (2017)، المشارك حينها في القسم نفسه في "كانّ". عنوان الفيلم يُمكن ترجمته إلى "الشخص فارع الطول" أو "الاتكاء". المعنيان بارزان فيه. فيه، يعود المخرج إلى لينينغراد قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية. ورغم عدم تناوله تلك الحرب، تطغى الأجواء المرعبة والاستعدادات والتحضيرات السابقة عليها، بشكلٍ لا يُمكن تجنبه.

عبر تلك الأجواء، يُسلّط كنتَمير الضوء على تمزّق العلاقات الإنسانية والانهيار والخوف والوحدة، عبر نموذج متفرّد لصداقة بين إيفا (فيكتوريا ميروشنيتشينكو) وماشا (فاسيليسا بيريليغينا)، اللتين تحاولان التماسك قدر الإمكان، وتجنّب الخوف والدمار الحياتي الوشيك حولهما. الأولى ممرضة فارعة الطول تعمل في مشفى حربيّ، والثانية جندية عائدة من الجبهة مؤخّرًا.

تعاني إيفا سكتات دماغية لدقائق قليلة، تفاجئها بين حين وآخر. تُربّي ابن ماشا، الذي يناديها "أمّي". ذات ليلة، تنتاب إيفا النوبة أثناء لعبها مع ماشا، الذي يختنق بسبب ثقل جسدها عليه. تتحوّل الصدمة إلى هذيان وهوس مكتومين، تفجّرهما رغبتها المحمومة في الحصول على طفلٍ آخر. تكتشف ماشا أنها غير قادرة على الإنجاب، بعد جراحة قيصرية خضعت لها، ما يدفعها إلى اعتماد الأساليب كلّها للضغط على إيفا كي تحبل بطفل، يكون تعويضًا لها عن ابنها. بدورها، وبسبب ضغط الشعور بالذنب، ولحبّها لصديقتها ورغبتها في إسعادها، تبذل إيفا جهدًا، رغم كراهيتها للأمر وألمها الفظيع، كي تكفِّر عن ذنبها، وتُسعد صديقتها.

المساهمون