البحث عن "سيدة الأرضين"

البحث عن "سيدة الأرضين"

29 نوفمبر 2015
خالد دسوقي - فرانس برس
+ الخط -

رأت ليلى، ابنة أخي البالغة الثامنة من العمر، علاَّقة نحاسية، غريبة الشكل، مدقوقة في جانب أحد جدران منزلي الداخلية فظنت أنها مفتاح لباب سريّ. شكل العلاَّقة (شنكل) الغريب، وجودها في زاوية الحائط، ظهورها واختفاؤها مع تحرّك الستارة، أوحى إليها، بمعونة خيالها الخصب المشبع بقصص الأطفال الفنتاستيكية، بأنها مفتاح لغرفة سرّية تؤدي إلى عالم خيالي. تلفظَّت باسم "أليس" التي انزلقت في حفرة أثناء ركضها وراء أرنب غريب الأطوار، لتجد نفسها في عالم آخر تماماً غير العالم الواقعي الذي كانت تعرفه.

وربما بمثل خيال ابنة أخي التي رأت أن "شنكلاً" في الحائط قد يكون مفتاحاً لغرفة سرِّية في بيتي، فكَّر عالم الآثار البريطاني، الأستاذ في جامعة أريزونا الأميركية، نيكولاس ريفيز، بوجود بابين سرِّيَّيْن في غرفة الملك المصري الشهير، والصغير أيضاً، توت عنخ آمون يؤدي أحدهما إلى غرفة خزين والثاني إلى تابوت نفرتيتي.. المفقود.

هذا كلام يعوزه الدليل المادي القاطع بأن قبر الملكة، الذي لم تعثر عليه الحفريات التي أجريت في مصر على مدار قرون، مخبأ خلف حائط غرفة الملك الصغير. من هذا الكلام المستند إلى دراسة صور مسحية للغرفة، بدأ البحث الحالي الذي قد يستمر عاماً كاملاً للوصول إلى ما تخبئه غرفة الملك الشاب، المتوفى في التاسعة عشرة من عمره: توت عنخ آمون، ابن أخناتون.


دم سوري

ليست هناك معلومات قاطعة عن نسب نفرتيتين بل رأي شائع، بين علماء المصريات، أنها ابنة "آي"، الرجل القوي الذي كان مستشاراً لثلاثة من الفراعنة، قبل أن يصبح، هو نفسه، فرعوناً لنحو أربع سنين. وهو ابن "يويا" الذي كان مستشارا، كذلك، لدى الفرعون أمنحوتب الثالث، ونال شرفاً نادراً ما يناله غير المتحدرين من السلالة الملكية بأن يدفن في مقابر وادي الملوك، ربما لأنه كان أيضاً والد "تاي"، الزوجة الرئيسية لأمنحوتب. يقترح اسم جد نفرتيتي بأنه لم يكن مصرياً صميماً، بل سوريّاً على الأرجح، لأن هذا الاسم (يويا) ليس شائعاً في مصر، مما يعني أن نفرتيتي ليست متحدرة من أصل ملكي ولكن نسبها لا يقل شأناً عن ذلك.

بزواجها بأخناتون ضمنت مكانة كبيرة في التاريخ المصري، وربما في تاريخ الأديان في المنطقة. فهما اللذان قررا أن ينهيا عبادة الآلهة المتعددة ويَتَوَجَّها، بالصلاة، إلى إله واحد هو "آتون"، مما أثار عليهما قلاقل سياسية ودينية كبيرة وسمت فترة حكمهما. كان اسم نفرتيتي قد اختفى من كتاب التاريخ المصري بحلول العام الثاني عشر من حكم زوجها أخناتون. لكن ليس تماما. ففي نقش عثرت عليه عالمة الآثار، أثينا فان در بري، عام 2014، في قرية دير أبو الحنس، القريبة من عاصمة أخناتون القديمة تل العمارنة، هناك إشارة قاطعة، بحسب فان در بري، على وجود أخناتون ونفرتيتي في حوالى العام السادس عشر من حكمه، قويين ومهمين كما كانا عليه في أثناء وجودهما المؤثر في التاريخ المصري القديم.

هذا يعني أن نفرتيتي لم تمت في العام الثاني عشر من حكم أخناتون، في جائحة، وأن اخناتون نفسه حكم فترة أطول مما كنا نعتقد.. قد تصل إلى سبع عشرة سنة. فتح هذا النقاش الباب لإعادة النظر في ما استقر، تاريخيا، في خصوص الزوجين. ففي النقش ترد إشارة واضحة إلى "الزوجة الملكية العظيمة، المحبوبة، سيدة الأرضين، نفرنفروتين نفرتيتي".

ومن المحتمل أن تكون نفرتيتي هي نفسها الملكة، التي توسطت الحكم بين عهدي أخناتون وابنه توت عنخ آمون، الذي يقال إنه سمي ملكا في التاسعة من عمره، وغير اسمه من توت عنخ آتون (الذي يعني الصورة الحية للإله آتون)، الدين الذي نادى به والده أخناتون، إلى توت عنخ آمون (الصورة الحية للإله المصري السابق آمون).

مدفن مستعار

نعود إلى "نظرية" نيكولاس ريفيز، الآثاري البريطاني، التي تقول إن قبر نفرتيتي "المفقود" قد يكون موجوداً في غرفة ملصقة بمقبرة توت عنخ آمون، ابن زوجها أخناتون، الذي أعاد للمصريين القدماء عبادة آمون.

أحد أدلة ريفيز، الذي زار المقبرة في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أن أغراض مقبرة توت التي كشف النقاب عنها الآثاري البريطاني الشهير، هاورد كارتر، عام 1922، لم تكن له. لكنَّ هذا ليس سوى ظن عززه مسح الغرفة بالأشعة تحت الحمراء، التي أظهرت وجود بابين سريين في الغرفة، يؤدي أحدهما إلى ما يعتقد أنه "المستقر الأخير لنفرتيتي".

فما وجدته بعثة كارتر، عام 1922، من أغراض في مقبرة الملك توت كانت، حسب اعتقاد ريفيز، لزوجة أبيه. هذا كان قبرها قبل أن يموت الملك الطفل، المريض، فجأة ولم يكن هناك قبر جاهز له، على عادة الملوك المصريين الذين يوضعون، مع أغراض رحلتهم إلى العالم الآخر، في غرفة واحدة. ويبدو أن رجال معبد آمون، الذين أعادهم الملك توت إلى العمل، هم الذين "دفشوا" مومياء "سيدة الأرضين" إلى غرفة أخرى ملاصقة. لم يكن "شنكلا" هو الذي جعل ريفيز يظن أن هناك غرفة، أو غرفتين، سريتين خلف جدار مقبرة الملك توت، مثلما ظنت ابنة أخي، ليلى، وإنما دراسة لصور مسح ضوئي، فائقة الجودة، أجريت للجدارين الشمالي والغربي، في مقبرة الملك توت.

بيد أن هناك علماء مصريات آخرين يشكّون في "نظرية" ريفيز، يشاطرهم الرأي وزير الآثار المصري، محمد الدماطي، الذي يؤكد أن ما توصل إليه ريفيز صحيح، ولكن المرأة التي قد يكون مدفنها خلف مدفن الملك توت هي أمه، وليست نفرتيتي زوجة أبيه.

المشكلة التي واجهت المهتمين بمصير الملكة المصرية، نفرتيتي، أن فحص الحمض النووي الذي أثبت صحة نسب بعض الموميات المصرية لم ينفع في حالة نفرتيتي، التي لا وجود لمومياوات مؤكدة لأي من أفراد أسرتها. فثمة مومياء عثر عليها، بين ثلاث في سرداب، فحصتها العالمة البريطانية، جوان فليتشر، بالأشعة السينية أكدت في إثره أن المومياء لنفرتيتي، بسبب العناية الفائقة في التحنيط، غير أن هذا لم يقنع علماء "المصريات" لعدم قدرة فليتشر تأكيد بحثها جينياً.

على الفريق الأجنبي والمصري الذي يواصل البحث، الآن، عن مقبرة نفرتيتي، وفق نظرية ريفيز، أن يجد كتابة، دليلاً مادياً، يؤكد أن ما سيعثرون عليه، خلف غرفة الملك توت، هو لنفرتيتي. هذا في حال عثروا على شيء بعد إجراء المزيد من الاختبارات الرادارية التي لا تؤثر على بنية المقبرة. 

المساهمون