شارع "بورتبيللو" أقدم أسواق لندن مهدد بالزوال

شارع "بورتبيللو" أقدم أسواق لندن مهدد بالزوال

17 مارس 2015
بورتبيللو يمثّل سوقاً شعبياً في وسط لندن (ماكو سيشي/Getty)
+ الخط -

يعتبر شارع "بورتبيللو"، أحد أشهر الأسواق في العالم وأكبر أسواق لندن للتحف، ويقصده عدد لا يستهان به من السيّاح وأهل البلد، حيث يجدون فيه ما ندر من التحف القديمة، كما تتوفّر فيه الملابس الجديدة والمستعملة والفواكه والخضروات والمواد الغذائية وغيرها من السلع الرائعة. يمتد سوق بورتبيللو على مسافة ميلين من الأكشاك والمحلاّت التجارية الصغيرة.

يعود تاريخ الشارع إلى الحرب البريطانية الإسبانية التي امتدت من عام 1739 إلى عام 1748، حين استولى الأدميرال إدوارد فيرنون على منطقة "بويرتو بيللو" في باناما التي كانت تحت الاستعمار الإسباني. وتكريماً لذكرى الأدميرال، بنيت خلال تلك الفترة في غرب مدينة لندن، مزرعة سُمّيت باسم "بورتبيللو". بقي اسم بورتبيللو مستخدماً لغاية اليوم، وبات الشارع يُعرف به بعد أن كان يدعى باسم جرينز لين قبل عام 1740.

طغى على شارع بورتبيللو طابع البساتين والإسطبلات لغاية منتصف القرن التاسع عشر، إلى أن طاولته أيدي البنّائين في العهد الفيكتوري وأنشئت فيه مبانيَ للعمّال، تميّزت بألوانها الزاهية وصغر حجمها. كما بدأت المشاريع السكنية الجديدة بالظهور في المناطق المجاورة للشارع، في منطقتي بادينغتون ونوتينغ هيل. واعتمد أثرياء المنطقتين على شراء احتياجاتهم من محلاّت بورتبيللو التجارية، وفي المقابل وجد سكّان بورتبيللو من الطبقة العاملة فرص عمل في تلك المناطق في أعمال البناء والخدمة في المنازل.

يعرض السوق الطعام الطازج منذ القرن التاسع عشر، أمّا تجّار التحف فبدأوا البيع فيه مع أواخر عام 1940 ويتكاثرون في صباح يوم السبت الذي يجذب أعداداً كبيرة من الناس.
مع تراجع صناعة الأفلام البريطانية في فترة التسعينيات، احتفلت بريطانيا بمهرجان بورتبيللو للأفلام عام 1996 لإحياء أو إنعاش تلك الصناعة التي لا تزال تقليداً سنوياً تحتفل فيه بريطانيا لغاية اليوم، في أماكن مجاورة للشارع. ويعتبر فيلم "نوتينغ هيل" الرومانسي الكوميدي، الذي صوّر في شارع بورتبيللو، في عام 1999، أحد أهمّ الأفلام التي منحت المنطقة شهرة عالمية.

لم يسلم شارع بورتبيللو من أيدي الهدم والتجديد التي طاولت جزءاً من متاجره منذ سنوات، حين قام المالك الرئيسي لتلك المحلات بالتخلص من مظهرها القديم بغية تأجيرها بأسعار أعلى، ما أدّى إلى فقدان الباعة الصغار عملهم وقيام احتجاجات محلية ندّدت بالتحديثات البسيطة التي عبثت بتميّزه.

اقرأ أيضا:
"إيدجوار رود": مضرب خيل العرب في لندن

ولا يخفى على أي عربي وجه الشبه الكبير بين سوق بورتبيللو الذي تُنصب فيه المظلاّت فوق طاولات تُعرض عليها البضاعة، والكثير من أسواق البلاد العربية الشعبية. بيد أنّ تلك المظاهر المتواضعة لم ترق للكثيرين، حتى طالبوا منذ فترة وجيزة بتدمير المكان برمّته وإزالة تلك الأكشاك الصغيرة والمتواضعة والبدء بعمليّات التجديد.


لم يقتصر الأمر هذه المرّة على تعديلات طفيفة، قد تشرّد بعض الباعة وتنتهك تراثه وجمال التاريخ الذي يحمله في طيّاته، بل تقضي باجتياح شارع بورتبيللو بأسره، والقضاء على كلّ قديم فيه، ليرتفع مكانه مجمّع تجاري كبير فاخر، يتلاءم ومستوى مدينة الضباب التي تحتلّ الصدارة بين أهم مدن العالم.

لم يصمت سكّان وعمّال وتجّار وزوّار شارع بورتبيللو وآخرون من مناطق لندن المختلفة عن ذلك التخطيط، الذي يطيح بمصدر رزقهم وفرادة الشارع الذي يروي حكايات تاريخية.
ارتفعت الأصوات المعارضة، وندّدت بالاقتراح الذي يدمّر معالم الشارع الأثرية، ويمتص نبض الحياة القديمة التي تجري بين ممرّاته.

في المقابل، رأى مؤيدو التغيير، أنّ منطقة بورتبيللو التي تستضيف سوق تحف حيوياً ومجمّعاً تجارياً صغيراً وأكشاك طعام وغيرها، أصيبت مساحاتها بالتعب، فضلاً عن وقوعها ضمن الأماكن الأكثر حرماناً في لندن ومعاناتها من سلوكيات اجتماعية عنيفة، وشبه انعزالها عن المناطق المحيطة بها. واعتبروا أنّ العمل على تجديدها يدعم الاقتصاد المحلي. ولا يزال اقتراح تطوير شارع بورتبيللو قيد التداول والاستفتاء.

وبانتظار نتيجة، الصراع بين القديم والحديث، بين أناس يتمسّكون بالماضي ويجسّدون ذكرياتهم في جنبات الشارع رافضين دخولهم عالم العولمة، حيث تسيطر الشركات الكبيرة وتبتلع الأفراد والعمّال الصّغار، وبين أناس يعشقون الحداثة ويرون في تلك المظاهر البسيطة صوراً للفقر والتخلّف.


إقرأ أيضا:
شارع لندن القديم بإدارة عربيّة

المساهمون