شكوكو.. فلّ المونولوج الساخر وورد الكوميديا البيضاء

شكوكو.. فلّ المونولوج الساخر وورد الكوميديا البيضاء

01 مايو 2014
محمود شكوكو
+ الخط -

 

كان إبراهيم شكوكو يصحب ابنه محمود (مواليد 1912) إلى ورشة النجارة ليتعلّم صنعة تقيه شرور الزمن، لكنّ هوى الابن كان في مكان آخر، أو بالأحرى في مكان مجاور، اذ كان غالباً ما يتسلّل من الورشة إلى المقهى المجاور، ليس لشرب الشاي أو أخذ قسط من الراحة، بل لإطلاق النكات وغناء المواويل للحضور.

كانت موهبة محمود شكوكو تفيض عنه، ففي كلّ مناسبة وكلّ مكان يبتكر مونولوجاً ذكياً وطريفاً، يجمع الناس حوله بصوته القويّ الرنّان وخفّة ظلّه.

لم يجد فراراً من احتراف مهنة أبيه، وبقى يلازم الورشة نهاراً وينطلق خلف هواه ليلاً، يغنّي في المقاهي والأفراح مجاناً، عبر انتسابه التطوعي إلى الفرق الشعبية التي كانت منتشرة في أحياء القاهرة الشعبية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، قادته خطواته إلى "شارع محمد علي"، ومنه إلى الإذاعة المصرية التي قبلته مطرباً مُعتمداً، ومن خلالها حقّق أوّل نجاح جماهيري، حين بثّت الإذاعة أغنيته الشهيرة "ورد عليك فلّ عليك" التي قدّمها له أحمد المسيري، وكانت علامة بارزة في مشواره، بل هي التي ألهمته بارتداء الجلابية والقبعة، للعب دور بائع الورد والفلّ في عروض فرقة علي الكسار. 

سرعان ما تلقفته السينما في أدوار هامشية راحت تتسع حتى احتلت مساحة في صلب النصّ الدرامي. كان أوّل عمل سينمائي له بعنوان "أحبّ البلدي"، كما يقول في لقاء تلفزيوني معه أداره سمير صبري.

في اللقاء أيضاً يقول شكوكو إنه بقى يعمل نجاراً فترة طويلة ويرتزق من المهنة، وإنه أورث الورشة لأخيه بعد احترافه بفترة، ويعيد تاريخ الاحتراف الى العام 1940. ويقول ايضاً لصبري إن أوّل أجر تقاضاه من الفنّ كان قرشين صاغ نقدتهما له فاطمة الكسار، مديرة إحدى الفرق التي عمل معها.

لم يكن يوماً فتى الشاشة، الا أنّ وجوده كان ضرورياً لدعم الأدوار الرئيسة، وكان مسانداً مهماً لنجاح الفيلم وشعبيته، كما أنّه حقّق قفزةً في مشواره بشراكته مع إسماعيل ياسين، حين أسّسا ثنائياً ناجحاً، وكانا عملاقين في مضمار واحد، لم يأكل أحدهما حضور الآخر، وحين انفصلا بقى لكلّ منهما تميّزه وبريقه.

تميّز شكوكو بفطرته وتلقائيته، وكانت معظم مونولوجاته ارتجالية على المسرح، ليس فقط لأنّه كان أمّياً، لم يدخل مدرسة ولم يتعلّم القراءة والكتابة، بل لأنّه كان مخلصاً لبيئته متماهياً بها. لم يتقمص الشخصية الشعبية بل هي كانت تسكنه. الجلابية والطاقية لم تكونا سوى تتويج للمضمون.

حين قدّم عروض الأراجوز لم يكن يستنجد بمساعد، بل كان أيضاً يشكّل ثنائياً متناغماً. التصقت شخصية الأراجوز به ولا تزال إلى اليوم، حتى أنّ دمى وتماثيل صنعت له بجلابيته وطاقيته المميزتين، ما يدلّ على مكانته الراسخة في المخيلة الشعبية.

اليوم، الأول من مايو/أيار، هو ذكرى ولادة شكوكو، وفرصة للتوقف عند سرّ تلك الشخصية التي صارت و"الأراجوز" أيقونة شعبية واحدة. ما تلك الطاقة التي جعلت انساناً بسيطاً أميّاً يتحوّل إلى شخصية فلكلورية؟ وما منبع تلك الفطرة التي لم تنفد عقداً إثر آخر؟

كانت دمية الأراجوز موجودة قبل شكوكو، ولكن لسبب ما قد يظنّ كثيرون أن تلك الدمية صنعت على شكله وليس العكس.

دلالات

المساهمون