مسلسل هوليوود: إعادة بناء الماضي

مسلسل هوليوود: إعادة بناء الماضي

13 مايو 2020
(نتفليكس)
+ الخط -
تقوم الدراما على محاكاة الواقع ورسم تصورات لبدائل تخييلية. وفي حالة دراما "هوليوود" الذي بثته أخيراً شبكة نتفليكس، يأتي البديل المتخيل ليحل مكان الحدث التاريخي المعيش في هوليوود في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. يستأنف رايان مورفي العمل على موضوعته المفضلة في مسلسل "هوليوود"، ألا وهي الشهرة والطموح والنجومية وصراع الأقليات للحصول عليها، من خلال مراجعة هذه الموضوعة بعدسة الحاضر المتغير بفعل بعض الحركات الثورية كما في حالة الـ me-too. يدمج مسلسل "هوليوود" بين التاريخ الحقيقي للمدينة السينمائية، في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات في فترة سيطرة نظام الاستوديو والعصر الذهبي لهوليوود، وبين فانتازيا تحلم بتغيير هذا التاريخ الذي كان مغرقاً في العنصرية والتمييز ضد الأقليات. 
يطل علينا ديفيد كورنسويت بشخصية جاك كاستيلو المتخيلة. نموذج للشاب الحالم بالنجومية والشهرة، وكجندي سابق في الحرب، يطمح كاستيلو إلى التغيير من طريق تحقيق حلمه بالعمل ممثلاً في هوليوود. يجمعه هذا الحلم مع عدد من شخصيات المسلسل من سود ومثليين وأبناء طبقات فقيرة من ممثلين وكتّاب ومخرجين في مواجهة نظام الاستوديو الذي يقوم على عقود احتكار ويشترط وجود علاقات متينة مع الطبقة المتنفذة في هوليوود.
ومن خلال تقديم عدد من الشخصيات التي تستند إلى شخصيات تاريخية حقيقية، يتعمق "هوليوود" في آليات العنصرية ضد السود والآسيويين واليهود وكره النساء والخوف من المثلية. ففي المسلسل، نرى ميشيل كروسيك في شخصية آنا ماي ونغ في سياق متخيل يقودها إلى الحصول على جائزة الأوسكار، على عكس ما كان في تلك الحقبة التي منعت أول ممثلة أميركية من أصول آسيوية من تحقيق حلمها. في حقيقة الأمر، اضطرت آنا ماي ونغ، برغم موهبتها، إلى القبول بأدوار تضع الآسيويين في قوالب ترسمهم كشخصيات خبيثة ومتآمرة وجنسانية وتمنع تقديمهم كإنسان ومواطن أميركي يتميز بالفرادة. وحين سنحت الفرصة لها للتميز عندما قدمت هوليوود فيلم The Good Earth الذي تدور أحداثه في الصين، أُعطيَ معظم الشخصيات الصينية الأساسية لممثلين بيض، ولم يعرض على آنا ماي ونغ سوى دور لشخصية سلبية، فرضته.
ضمن الحبكة المتخيلة، تحصل الممثلة السوداء والكاتب الأسود على جائزتي أوسكار عن فيلم "ميغ". برغم التحديات التي يصورها مسلسل "هوليوود"، ينجح كل من الممثلة والكاتب في تقديم فيلم "ميغ" بممثلة رئيسية سوداء في دراما إنسانية، وليس في دور خادمة أو عبدة راضية. في حقيقة الأمر، لم تحصل ممثلة سوداء على جائزة أوسكار لدور رئيسي حتى تاريخ 2001، عندما حصلت هالي بيري على أوسكار لدورها في فيلم Monster’s Ball. أما في الكتابة، فكان على أول أوسكار لكاتب أسود أن تنتظر حتى 2018 عندما حصل عليها جوردان بيل عن فيلم Get Out.
ومما ساهم بالتمييز ضد الممثلين من الأقليات، وجود قوانين هيز Hays Codes غير المنصوصة، ولكن المتعارف عليها في 1930، التي كانت تمنع التقبيل بين الممثلين من أعراق مختلفة، وبالتالي منعت الكثير من الممثلين من الأقليات من الحصول على أدوار تسمح بعلاقات مختلطة مع الممثلين من العرق الأبيض.
ولم تستطع النساء الوصول إلى إدارة استوديو حتى 1980 عندما أصبحت لانسينغ أول رئيسة استوديو، وذلك بعد تعيينها رئيسة للإنتاج في 20 th Century Studios. بينما تمكنت الشخصية المتخيلة في "هوليوود"، أفيس أمبرغ، زوجة مالك استوديو أيس من إدارته بحسب حبكة مسلسل "هوليوود". وكما أصبح هارفي واينستين النموذج الأسوأ لمتنفذي هوليوود الفاسدين أخلاقياً والمتحرشين، تأتي شخصية هنري ويلسون، مدير الأعمال، التي يؤديها جيم بارسنز، انعكاساً للفساد في صناعة الأفلام. كان هنري ويلسون من الأسماء المعروفة بالإساءة والتحرش الجنسي بالعملاء من الممثلين، ومن بينهم روك هدسون. لكن خلافاً لقصة واينستين، لم يُحاكَم ويلسون، إذ استمر بإساءته إلى عملائه، ولم يقدم أي اعتذار كما قدم لنا مسلسل "هوليوود".
ما يميز أعمال مورفي، سعيه الدائم إلى تمثيل الأقليات. فمسلسلاته تدور أحداثها حول شخصيات من أعراق مختلفة، ولا ينسى مورفي تمثيل ذوي الاحتياجات الخاصة وإظهار الجمال بعيداً عن معايير هوليوود التي تمنع البدينات من الظهور على الشاشة.
شخوص مورفي تنتمي إلى حقب تاريخية، مورس عليهم خلالها الاضطهاد بسبب الجنس والجنسانية والعرق ومعايير الجمال. لكن يبقى أن مورفي يرى شخوصه مرة أخرى غارقة في أحلام النجومية ورغبة الانتماء إلى بريق عالم الشهرة. فرغم عمل مورفي على تغيير المشهد بدمج عدد أكبر من الممثلين الذين يمثلون الأقليات، إلا أنه ينتصر بالنهاية لقيم المجتمع الرأسمالي الراغب في الاستهلاك. لكن لا يلغي ذلك من أهمية سؤال التمثيل "representation" الذي تحارب الأقليات العرقية والنساء والمثليين من خلاله للحصول على مساحة أكبر على الشاشة الكبيرة لإثبات الذات والتخفيف من العدوانية ضد الأقليات وأنسنتهم. وبالرغم من أن التاريخ لم يُنصف الأقليات ولم يعطهم المجال للتعبير عن فرادتهم، فإن العودة إلى الماضي ومساءلته تظل كتمرين يساعدنا على تجنب إعادة أخطائه.

المساهمون