"الراحل الكبير"... وقائع ليلة صيف

"الراحل الكبير"... وقائع ليلة صيف

27 مايو 2018
صدر ألبوم الفرقة الأول عام 2016 (WKNO)
+ الخط -
في صيف عام 2013، فُتح ستار "مترو المدينة" في بيروت للجمهور؛ كي يلتقي، للمرة الأولى، بـ "الراحل الكبير". في عام 2013، أيضاً، شهدت بعض البلدان العربية تغيّرات بارزة، أبرزها ظهور الثورة المضادّة، وانقلابها على ما طمحت إليه الشعوب. قليلة هي الفرق الغنائية العربية التي تشكّلت إثر هذا التحوّل، فمعظمها عرفناه مع بداية التغيير، عام 2011. إلّا أن فرقة "الراحل الكبير" اللبنانية، وُلدت مع هذا التحوّل، وما زالت تتبّع مساره، وما آلت إليه المنطقة بعده، حتى يومنا هذا.

حتى أن اسم الفرقة جاء ليقارب، بطريقة ما، هذه الحالة. في حوارٍ أُجري مع الفرقة، وضّح الأمر أحد مؤسسيها، خالد صبيح، المعروف بـ الشيخ درويش أبو المعاطي. يقول: "حاولنا أن نتخلّص من فكرة الأب القائد، الذي يستولي على كل شيء، ويريد أن يوجّه الجميع بحسب مشيئته". يتابع: "في ظل هذه التحوّلات، توجّهنا إلى نوع من الموسيقى التي تتخفّف من التقليد القديم، لكننا وجدنا أنفسنا ما زلنا متأثرين فيه، لأنه جزء من مخزوننا الثقافي".

وفعلاً، استطاعت الفرقة، منذ انطلاقها، حتى اليوم، أن تبتكر مزيجها الخاص، الذي يستلهم الموروث، وفي الوقت نفسه ينقلب عليه ضمن تصوّرات قادرة على خلق مضمون موسيقي وسياسي مُعاصرين؛ يتّسمان بسرعة الإيقاع، والسخرية والنقد اللاذعين للمشهد الاجتماعي والسياسي العربي الحالي.

يمكننا، بسهولة، الإمساك بهذه الخيوط إذا ما استمعنا إلى أغنيات الفرقة، مثل "مولد سيدي البغدادي"، التي وضع كلماتها ولحّنها خالد صبيح. تقول الأغنية: "مدد مدد يا سيدي/ يا حاكم بأمر الله/ يا ناصر لشرع الله/ يا سايق عباد الله على هاوية ولا بعدها هاوية". ومنها أيضاً: "وعلشان الثورات فتنة/ وصوات النسوان فتنة/ أهو كلنا في الحيطة فُتنا/ ولا دايم غير وجه الله".

هنا، نلاحظ إشارة مهمّة في الأغنية، تُصنّف "داعش"، بقيادة البغدادي، كـ ثورة مضادّة، عبر الإشارة إلى أنّ "الثورات فتنة"، وفقاً لمعتقد "التنظيم" الجوهري. من ناحية أُخرى، يمكننا تلمّس "الموروث" الذي تتأثّر فيه "الراحل الكبير"، أو المخزون الثقافي الذي تحدّث عنه صبيح؛ فهي تأثيرات، بشكل أساسي، تأتي من جهة الشيخ سيد درويش، والشيخ إمام، سواءً موسيقياً، أو من ناحية الكلمات.

تضم "الراحل الكبير"، إلى جانب خالد صبيح، كل من المغنيين ساندي شمعون ونعيم الأسمر، وعازف البزق عبد قبيسي، وعازف الإيقاعات علي الحوت. وكان معهم أيضاً عازف العود الشاب عماد حشيشو، الذي رحل قبل قرابة شهرين في حادث سير في لبنان، وهو أحد مؤسّسي الفرقة.

تصف الفرقة نفسها: "بات الهدف من "الراحل الكبير" التجريب في مساحات موسيقية وكلامية جديدة لا يمكن أن تنفصل عن المخزون الموسيقي العربي الراسخ لدى أفراد الفرقة سماعاً ودراسة، ولكنها لا تقف عن أساليبه وقواعده على الإطلاق".

قبل قرابة عامين، أصدرت الفرقة ألبومها الأول، "لابومب". جاء الألبوم نتيجة سلسلة من العروض، كانت قدّمتها الفرقة في في أعوام 2014 و2015 و2016، وأدّت فيها مجموعةً من الأغنيات التي تتحدّث عن راهن المنطقة؛ الطائفية والتشدّد الديني والحروب، والسخرية من الطغاة: "وﺗﻔﺠﺮت ﻋﺒﻮةٌ ﻧﺴﻔَﺖ ﺣﻴّﺎّ/ ﻻ ﻳﻘﻄﻨﻪ أﺣﺪ ﻣﻬﻢ/ وﻣﺎت ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺧﻠﻖ ﻛﺜير/ وﻟﻜﻦ ﺑﻔﻀﻠﻪ لم يمت أﺣﺪ ﻣﻬﻢ/ وﻟﻘﺪ رﻣﺖ ﺑﺮﻣﻴﻼً ﻣﺘﻔﺠﺮاًّ/ وﻣﺎت ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺧﻠﻖ ﻛﺜير/ وﻟﻜﻦ ﺑﻔﻀﻠﻪ لم يمت أﺣﺪ ﻣﻬﻢ".

المساهمون