"جريمة في القطار السريع"... إعادة اقتباس مزعجة

"جريمة في القطار السريع"... إعادة اقتباس مزعجة

16 ديسمبر 2017
المخرج والممثل في الفيلم كينيث براناه (Getty)
+ الخط -
لم تقتبس السينما من الروائية البريطانية، أجاثا كريستي، بالقدر الذي يوازي شهرتها الأدبيَّة، كون أعمال الغموض والجريمة التي اشتهرت بكتابتها، كانت ذائعة الصيت في فترة ما. ويعتبر فيلم Murder on the Orient Express في نسخته التي أخرجها سيدني لوميت عام 1974، وضمَّت عدداً من نجوم الفترة الكلاسيكية، مثل شون كونري وألبرت فيني وإنجريد برجمان (التي فازت بأوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن دورها فيه) هو الاقتباس الأشهر عن أدب كريستي، وهو ذات العمل الذي قرّر، كينيث براناه، أن يعيده إلى الشاشة، كمخرج من وراء الكاميرا وممثل أمامها.
ويضمُّ الفيلم، كما تركِّزُ كلّ الحملات الدعائيّة، ستّة ممثّلين سبَق لهم الفوز أو الترشُّح للأوسكار، ليتوفَّر له كل أسباب النجاح، باستثناء سبب واحد: وجود سبب منطقي لإعادة الاقتباس تلك.
يحتفِظ الفيلم بكل تفاصيل القصّة كما هي؛ مجموعةٌ من الركاب الذين ينتمون لمجتمع الصفوة في بريطانيا، يَلتقون في رحلة قطار طويلة. وبعد وقت قليل من قيام الرحلة، تحدُث جريمةُ قتلٍ غامضة. ويبدأ المحقّق الشهير "بايروت"، المتواجد في الرحلة مصادفة، حلّ لغز تلك الجريمة، والعثور على القاتل قبل نهاية الرحلة، وهروبه إلى الأبد، وسط غموض وتصرفات غير مفهومة من الـ12 راكباً الموجودين، بما لا يجعل أيّ أحد منهم بعيداً عن الاشتباه فيه.
هناك فئتان لمشاهدي هذا الفيلم؛ الفئة الأولى لمن لم يشاهدوا العمل الأصلي، وعلى الأغلب فإن نسبتهم قليلة بين محبي السينما بالنظر إلى كلاسيكية فيلم "لوميت"، وهؤلاء يمكنهم اعتبار الفيلم سهرة تلفزيونية مقبولة. لا يوجد إنجاز مُلفت أو إيقاع يجعلك لا تبارح كرسيك. ولكن، في النهاية، فإن هناك متعة ما حين تشاهد لغزاً عن جريمة قتل اتُّهم فيها أشخاص كُثر.
وإن كان ضعف الفيلم الرئيسي حتى حين تشاهده بتلك النظرة أن السيناريو لا يُشرِكك أبداً في عملية "الحل"، فبحسب ألفريد هيتشكوك فإن "فيلم الألغاز الجيد هو ذلك الذي يشعر المتفرج في نهايته بأن المفاتيح كلها كانت أمامه دون أن يراها، وأن بطل الفيلم ليس خارقاً جداً بالنسبة إليه"، هذا لا يحدث في "جريمة على القطار السريع". لا توجد مفاتيح يجمعها المشاهد، أو لحظات حين تُسترجع في النهاية يقول أن "ذلك كان أمامي ولم أره"، فالأمور "مُلفقة" ليراها فقط المحقق الخارق بطل الفيلم. ومع ذلك، يمكن للعمل أن يكون مسلياً، لو لم تعرف تفاصيل الجريمة من النسخة القديمة أو الرواية.
في المقابل، فإنّ الفئة الثانية من المشاهدين؛ هؤلاء الذين شاهدوا فيلم "لوميت" ويتذكرونه، ستتحوَّل ساعتا الفيلم بالنسبة لهم إلى كابوس من الرتابة والملل، لأن في تلك الحالة، لن يكون الثِقَل في الجريمة واللغز، بقدر ما في اللغة السينمائية التي سيستخدمها "براناه" كمبرّر لإعادة الاقتباس. وهذا الأمر كان مفقوداً تماماً، فالرواية وإن كانت مسرحية بعض الشيء، وتدور في مكانٍ واحد بشكل يفضله "براناه" العاشق للمسرح ولوليم شكسبير، فإنه لم يضفِ عليها أي قدر من الروح أو الإيقاع أو الرؤية الجديدة. بعض التفاصيل تُنقل كما هي من نسخة "لوميت"، شكل المكان والشخصيات والزمن نسخة طبق الأصل تقريباً، تتابع الفصول في السيناريو لا يحمل أي اختلاف، لا توجد أية إضافة حقيقية، كأنك تشاهد تقليداً طبق الأصل. ولكنه أقل قيمة بوضوح من عملٍ سابق، وبالتالي يكون التساؤل طوال المشاهدة عن مدى ضرورة إعادة الاقتباس في نسخة جديدة من الأصل؟
حتى طاقم الممثلين الاستثنائي الذي جمّعه براناه لم يُستفَد منه بأي شكل، جوني ديب لايزال مفقوداً، وأصبح أقرب لموظف يؤدي أدواراً دون روح أو اجتهاد. جودي دينش وميشيل فايفر تبدو كل منهما خارجة من نسخة 1974 بسبب درجة تقليد الأدوار القديمة دون أي إضافة. بينلوبي كروز غير مناسبة أبداً لدورها وبدت واضحة النشاز، وصولاً لكينيث براناه نفسه الذي يخلق شخصية مميزة للمحقق، ويبذل كممثل مجهوداً أكبر مما فعله كمخرج. ولكن في النهاية، فالقيمة الإجمالية للعمل كانت ضعيفة. ومن المستحسن مشاهدة فيلم "لوميت" الأصلي من "جريمة في القطار السريع" بدلاً من نسخته المشوهة في دور السينما.

دلالات

المساهمون