عن جوائز الفن السابع وتأثيراته

عن جوائز الفن السابع وتأثيراته

09 ديسمبر 2018
جائزتا "أوسكار" لغييرمو دِلْ تورّو عن "شكل الماء" (فيسبوك)
+ الخط -
إنه موسم الجوائز. البداية مع "غولدن غلوب"، التي يمنحها صحافيون أجانب يعملون في هوليوود. هناك الأبرز والأكثر جماهيرية في العالم: "أوسكار". معهما، يتابع مهتمّون بالفن السابع أخبار جوائز السينما الفرنسية والبريطانية والإسبانية وغيرها. العالم محتاج إلى لحظات استعراضية كهذه. عشّاق الأفلام منصرفون إلى النتاج السينمائي بحدّ ذاته، ومتابعتهم أخبارًا كتلك لن تحول دون متعة المُشاهدة وجدّية النقاش والقراءة والتحليل. شركات الإنتاج تكترث بالجوائز، فهي (الجوائز) دعم إضافيّ على المستوى الجماهيري، أي الإيرادات. موزّعون عديدون مضطرّون إلى إطلاق العروض التجارية لأفلامهم في بلدان الإنتاج، في أوقات محدّدة، كي يتمّ قبولها في لوائح الترشيح. لكنهم ينتبهون إلى أن التوزيع الدولي تقوى شعبيّته إنْ ينل فيلمٌ أو أكثر جائزة أو أكثر. المُشاهدون يعتبرون الجوائز جزءًا من الصنيع، فيرغبون في مشاهدة الفيلم الفائز، لا الفيلم كصنيع إبداعي.

لا شمولية في قول هذا. هناك مهتمّون بالسينما بعيدًا عن جانبها الاستعراضي، مع أنهم يجدون وقتًا له كي يتسلّوا قليلاً بأضواءٍ وتصريحاتٍ سريعة لمرشّحين وغير مرشّحين، وكي يستمعوا إلى خطاباتٍ يغلب عليها، أحيانًا عديدة، لغة الانتقاد السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي. في زمن دونالد ترامب، تزداد حماسة نجوم أميركيين في مواجهة رئيسٍ، يرونه الأسوأ في تاريخ بلدهم؛ وفي زمن التحرّش الجنسي وانعدام المساواة بين النساء والرجال في "صناعة الترفيه"، ترتفع وتيرة التنبّه إلى أقوالٍ ومواقف لسينمائيين يتناولون مواضيع كهذه لإظهار جانبهم النضاليّ الإنسانيّ.

هذا منبثقٌ من تاريخ مديد لهوليوود تحديدًا. في محطّات تاريخية مختلفة، كان لسينمائيين كثيرين مواقف سلبية من إدارة أميركية أو اجتماع أميركي أو حالات وأوضاع في أميركا والعالم. منبرا "غولدن غلوب" و"أوسكار" الأكثر مُشاهدةً ومتابعةً، وهذا يعني إمكانية وصول قول أو موقف إلى أكبر شريحة ممكنة في العالم.

أما التأثير المباشر لقول وموقف كهذين فصعبٌ، إنْ لم يكن مستحيلاً: الإدارات السياسية والمؤسّسات الحاكمة غير آبهة بمن يبقى تأثيرهم معنويًا، رغم أن ما يقوله هؤلاء "يُلفت النظر" (لا أكثر) إلى مسألة أو قضية أو مشكلة أو حالة. فالثقل خطابيّ، والفعل معقودٌ على من يملك زمام الأمور عمليًا. ومع أن مواقف سينمائيين تعكس شيئًا من اهتمامٍ، إلاّ أن الكلام يبقى كلامًا، والترجمة العملية دونها مصالح وشبكة علاقات بين مؤسّسات حاكمة.

يبدأ موسم الجوائز السينمائية الجديدة في مرحلة غير مُبشِّرة بأي تفاؤل. الجغرافيا مُلتهبة، والتاريخ يحتلّ مكانًا بارزًا في بعض الراهن الغارق في الدم والعنف والتمزّق. الصراعات تزداد، والانهيارات والتمزّقات أيضًا. أفلامٌ عديدة تتناول ماضيًا وحاضرًا، وتقول شيئًا من راهنٍ وذاكرة، وتُنبِّه إلى مآزق وأزمات. أفلامٌ عديدة تبوح بانفعالٍ أو ترسم ملمحًا أو تشير إلى حكاية. هذا أهمّ من كلّ جائزة، وأعمق من كلّ خطاب. أما المعضلة الحقيقية، فكامنةٌ في انعدام كلّ قدرة على التغيير، إنْ على مستوى الأفلام (هذا يتطلّب نقاشًا أوسع وأعمق، لن يبقى أسير السؤال التقليدي عن علاقة السينما والفنون والآداب بالتغيير الفعلي والعملي)، وإنْ بالنسبة إلى خطابات الاحتفالات بالجوائز.

لكن، لماذا تُطَالَب السينما بإحداث تغيير جذري؟ ألن تكتفي بالإشارة والتنبيه والتحريض على التفكير والتأمّل، وهذا ضروري ومهم ومطلوب وأساسي، خصوصًا مع اقترانه بجمالية صورة، وبهاء لغة، وحِرفية اشتغال، وفضاء بصريّ يُبهر العين والروح معًا؟

المساهمون