عروس بيروت: لا هذه العاصمة ولا هؤلاء سكّانها

عروس بيروت: لا هذه العاصمة ولا هؤلاء سكّانها

30 سبتمبر 2019
كارمن بصيبص وظافر العابدين في المسلسل (MBC)
+ الخط -
منذ المشهد الثالث في الحلقة الأولى تبدو أحداث مسلسل "عروس بيروت" (كتابة نادين جابر وبلال شحادات وإخراج التركي إيمره كاباكوساك) متوقعة حدّ الملل. العمل الذي تدور أحداثه حول شابٍّ لبناني ثريّ، يقع في حب فتاة فقيرة أو ربما متوسطة الحال، ويتزوجّها فتعارض والدته المستبدّة الزواج، وتبدأ هنا التعقيدات. المسلسل مجرّد نسخة عربية من مسلسل ناجح آخر هو "عروس إسطنبول" (2017). لكن التطابق ليس فقط في السيناريو، بل اختارت MBC المنتجة للعمل طاقماً تركياً كاملاً، ومواقع تصوير تركية لأحداث يفترض أنها تجرى في لبنان.

كل تفاصيل المسلسل تفقد المشاهد الثقة. اسم المسلسل يفرض على الأحداث أن تدور في بيروت، بالحدّ الأدنى، وفي باقي المناطق اللبنانية في حال وسّعنا الأفق. لكنّ المشاهد التي يفترض أنها صوّرت في بيروت، صوّرت فعلياً كلها في تركيا. حتى الشارع الجميزة الشهير بدا فريق العمل جاهلاً بتفاصيله. إذ يفترض أن البطلة ثريا (كارمن بصيبص) تسكن في هذا الشارع، وهو أمر منافٍ للواقع نظراً إلى وضعها الماديّ، الذي لا يسمح لها حتى استئجار غرفة صغيرة في الجميزة. اختار فريق العمل تصوير منزل ثريا البيروتي في تركيا أيضاً، فلا المباني بدت مشابهة لتلك الموجودة في العاصمة اللبنانية، تحديداً شارع الجميزة التراثي، ولا أسلوب الحياة فيها بدا مطابقاً لأسلوب الحياة هنا.

هل محيط سكن ثريا فقط هو المشكلة؟ إطلاقاً. فالبطل، فارس الضاهر (التونسي ظافر العابدين) يسكن مع والدته وإخوته الثلاث وحشد من الخدم، في قصر في مدينة جبيل اللبنانية الشهيرة. القصر أيضاً تركيّ، وبدا نافراً بشكل مزعج عن الطبيعة الجبيلية والعمار الهندسيّ فيها.

وبين الجميزة وقصر جبيل، أسلوب حياة لا يعكس حقيقة طريقة حياة اللبنانيين، حتى الأثرياء منهم، ولا يشبه طريقتهم في البذخ والصرف المفرط في حال انتموا إلى الطبقة الميسورة (مثال على ذلك حفل زفاف خليل ونايا وفارس وثريا).

حسناً، لنفترض أن المكان الجغرافي فرض نفسه، ربما بحثاً عن كلفة أرخص، أو عن طبيعة تتماهى مع طبيعة "عروس إسطنبول"، أو التزاماً بعقد تصوير نسخة عربية من المسلسل التركي، ولنفترض أيضاً أن الشبكة السعودية برأت نفسها من التباس الهوية هذا، عندما أعلنت أن العمل صورت مشاهده الداخلية كلها في إسطنبول بينما صوّرت المشاهد الخارجية العامة في لبنان، ماذا عن المضمون؟

قد يكون من المبكر الحكم على تطوّر الأحداث في المسلسل، وذلك بما أن العرض لم يبلغ منتصفه بعد، لا على شاشة MBC ولا على LBCI اللبنانية. لكن الأكيد أن السيناريو يعيد تدوير عشرات القصص التي عالجتها الدراما اللبنانية، والعربية، وتلك المكسيكية المدبلجة التي اجتاحت العالم العربي مطلع التسعينيات. حتى التعقيدات التي تواجه الأبطال تبدو معلوكة، ومكررة من دون أي مقاربة جديدة: حبيب قديم يعود لينتقم، ثأر قديم بين العائلات، تشابك غير منطقي بين مصائر الأبطال. كل ذلك ترافقه تفاصيل غير مبررة في السياق الإخراجي. فنرى مثلاً مجموعة من الممثلين السوريين من خارج أي تتابع منطقي للأحداث. كذلك نرى ممثلين أتراكاً دبلجت أصواتهم إلى اللهجة السورية! حتى التطوّر السريع لقصّة الحبّ بين ثريا وفارس، والزواج السريع حدّ الدهشة، غير مبرّر، خصوصاً أن عدد حلقات العمل يلامس الثمانين.

ربما لو اختير للعمل عنوان آخر، لكانت كل تلك المشاكل والتعقيدات في الإخراج قد اختفت. لكن ربط اسم المسلسل بمدينة محددة، بينما تغيب كل التفاصيل البيروتية عن العمل، ويفتقر ناس المسلسل إلى طبائع وهوية أهالي بيروت (أو حتى أهالي مدينة جبيل) يزعزع تماهي المشاهد مع الأحداث.

هفوات كثيرة تشوب العمل إذاً رغم أداء ملفت لكل من اللبنانية كارمن بصيبص، والتونسي ظافر العابدين. علماً أنهما سبق أن لعبا دور الزوجين في المسلسل المصري "ليالي أوجيني" (إخراج هاني خليفة، رمضان 2018). تتقمّص كارمن شخصية الفتاة اللبنانية ابنة بيئة تتراوح بين الفقر والموسّط، تؤدي دورها بإتقان في كل مشاهد الحزن والحبّ والغضب والغيرة، والغناء. يقابلها أداء مشابه لظافر العابدين الذي اضطر مرة أخرى إلى التمثيل باللهجة اللبنانية، فسقطت منه بعض الكلمات، لكنه بقي محافظاً على أداء مشابه لأداء رجال الأعمال اللبنانيين الأثرياء.

وإلى جانب أداء بصيبص والعابدين، تبدو حرفية التصوير واضحةً، في انعكاس للاستعانة بفريق عمل تقني تركيّ كامل: من المخرج إلى المصورين، والإضاءة، والأزياء، والصوت... وهو ما يجعل هذا المسلسل تحديداً نقلة تقنية كبيرة في عالم الدراما اللبنانية (إن اعتبر المسلسل لبنانياً)، خصوصاً لجهة تصوير المشاهد الخارجية، فنشاهد بيروت، وجبيل، تماماً كما اشتهرت المسلسلات التركية بتصوير إسطنبول وأنقرة وأضنة وغيرها من المناطق المحلية التي رفعت نسبة السياح في البلاد بشكل كبير في العقد الأخير.

قد تحمل الحلقات المقبلة من "عروس بيروت" نقلة إيجابية في تطور الأحداث، وقد تبقى كما هي، منفصلة عن الواقع ولا تحمل من بيروت إلا الاسم فقط، لكن الأكيد أن الرابحة الكبرى من كل هذه التجربة هي كارمن بصيبص التي تقدّم نفسها هذه المرة بطلة مطلقة في عمل بهذه الضخامة.

دلالات

المساهمون