أغاني الأطفال الشعبية في رمضان: ذاكرة متوارثة عبر الأجيال

أغاني الأطفال الشعبية في رمضان: ذاكرة متوارثة عبر الأجيال

25 مايو 2019
يعبر الأطفال عن فرحتهم بطرق مختلفة (Getty)
+ الخط -
استطاع عددٌ من الباحثين في الفولكلور المصري أن ينقذوا عدداً من الأغاني الشعبية الموروثة في أنحاء البلاد. إذ قاموا بتتبع وتوثيق وتدوين تراث شفهي عريق مهدد بالنسيان. وعلى اختلاف البيئات داخل القطر المصري، كان هناك اتفاق على أن الذاكرة الشعبية لا تزال تحتفظ بكثير مما توارثته جيلاً بعد جيل، من أغانٍ اعتادت على الترنم بها في المناسبات المختلفة.
وقد بذل الباحث مسعود شومان في هذا المضمار جهداً كبيراً، عبر الجمع الميداني والاستقصاء المكتبي. إذْ قرر أن يضع موسوعة لأغنيات الأطفال الشعبية في المناسبات المختلفة، وقد حظي شهر رمضان بنصيب وافر في هذه الموسوعة. كما بذل باحثون آخرون جهوداً لا تنكر في هذا الباب، مثل فؤاد مرسي في كتابه "معجم رمضان"، وأحمد الصاوي في كتابه "رمضان زمان".

أيقونات غنائية

قبل الولوج إلى أغاني الأطفال الرمضانية التي رصدها الباحثون في أنحاء مصر، لا بد من الوقوف أمام أيقونات لفظية وثيمات تكاد تكون شبه ثابتة في هذا النوع من الأغاني، مثل "حاللو يا حاللو" و"وحوي يا وحوي.. إياحا"، وهي عبارات موروثة لا يستطيع كثير ممن يتغنى بها أن يعرف مدلولها على وجه الدقة، وهي الأيقونات التي استمرت في الأغاني التي قدمها مطربو الزمن الجميل في الإذاعة المصرية. وقد ذهبت التفسيرات إلى أنها كلمات مصرية قديمة، تسربت إلى اللغة القبطية؛ فعبارة "حالو يا حالو" تعني: "يا شيخ افرح"، وكلمة "وحوي" تعني: "اقتربوا"، أما كلمة "إيوحا" فتعني: "الهلال"، فالمعنى هو: "اقتربوا لرؤية الهلال". ويقال إن هذه الأيقونات الغنائية استخدمت لأول مرة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، قبل أن تدخل في السياق الرمضاني، وأن المصريين غنوها لأول مرة في استقبال والدة أحمس الثاني التي دفعته إلى مقاومة الهكسوس وطردهم من مصر.


رمضان يا منوّر
حين يعلن مفتي الديار أن رمضان سيبدأ من الغد، ينطلق الأطفال في الغناء والهتاف بالشوارع في عفوية وبراءة، فيغنون: "يا رمضان يا ابو شخليلة/ أول سحورك الليلة/ يا رمضان يا ابو صحن جديد/ آخر سحورك ليلة العيد/ يا رمضان يا عود كبريت/ يا حابس كل العفاريت". ومن أغانيهم أيضاً التي يستقبلون بها الشهر الفضيل: "رمضان يا منور/ نوّرت وادينا/ يا أحلى م السكر/ حلوة ليالينا/ نلعب ونتمخطر/ ونقول أغانينا".

الابتزاز الجميل
يعبر الأطفال عن فرحتهم بأغان موجهة للكبار، تدعوهم دائماً لأن يعطوهم شيئاً يسعدهم من مالٍ أو حلوى، وفي بعض تلك الأغاني يمدح الأطفال من يعطي ويذمون من يمنع، على طريقة الشعراء المدّاحين والهجائين في عصور الشعر العربي القديمة. في الأغنية الأشهر التي يعرفها المصريون جميعاً، يقول الأطفال: "حالّو.. يا حالّو/ رمضان كريم يا حالّو/ حلّ الكيس وادينا بقشيش/ لنروح منجيش يا حالّو"، وفي الأغنية طلب لـ"البقشيش" أي المال الزائد، والكيس هو حافظة النقود، وفي تهديد صريح من الأطفال للرجال بأنهم لن يعودوا للغناء مرة أخرى إذا لم يحصلوا على مبتغاهم. وهناك أغنية أخرى، رصدها الباحثون في مدينة بورسعيد، وهي موجهة للنساء، يمدح فيها كورال الأطفال امرأة ويذمون أخرى بسبب المنع والعطاء: "ملبِّسَه على ملبسه.. صاحبة البيت ده كويّسه/ ملبسه على ملبسه.. صاحبة البيت ده مفلِّسه/ كُرَّاته على كراته.. صاحبة البيت ده شحاته". وفي شبين القناطر بمحافظة القليوبية دوّن الباحثون الميدانيون أغنية تقول: "إدونا العاده/ لبده وزياده/ والفانوس طقطق، والعيال ناموا/ بعدها صاموا/ إدونا العاده/ لبده وزياده"، واللبدة هي طاقية يلبسها الأولاد، وكأن الأطفال يخبرون المستمعين بأنهم يصومون كالكبار ولذلك يستحقون الهدايا.

أغنية للبنات
من الأغاني التي يقتصر غناؤها على الفتيات الصغيرات دون الصبيان، وسُمعت في مدينة بورسعيد، أغنية تقول: "وحوي يا وحوي.. وكمان وحوي/ بنت السلطان.. لابسه الفستان/ من بدع زمان/ أخضر واحمر/ طرابيش عسكر/ وحوي يا وحوي". وهذه الأغنية الخاصة بالبنات، تذكر بواحدة من أشهر الأغاني التي قدمتها فرقة الثلاثي المرح: "افرحوا يا بنات يالا وهيصوا/ رمضان اهو نور فوانيسه/ يا حلاوة التين الله الله/ والقمر الدين الله الله/ وكياس النوقل وقراطيسه...".



صيام الأطفال
ومن بين الأغاني التي رصدها الجامعون في برّ مصر، أغنيات تتحدث عن الصيام، فالأطفال الصغار يكتفون في رمضان باللعب واللهو للحصول على العطايا والهدايا كالفوانيس، ولذلك تقول إحدى الأغنيات على لسان طفل يرجو أن يكبر ليستطيع الصوم: "فانوسي أحمر/ جميل ومنور/ بابا جابهولي/ من عم أنور/ أنواره والعه/ والشمعه والعه/ يا رب أكبر/ أصوم وأفطر/ وأجيب لماما/ فستان مشجر".
وهناك أغنيات تمتدح الصائمين وتعيّر من يقوم بغير ذلك، مثل: "يا صايم رمضان/ يا عابد ربك/ كلبتنا البيضا/ تبوسك من خدك". أما الأغنية المقابلة فتقول: "يا فاطر رمضان/ يا خاسر دينك/ كلبتنا السودا/ تقطع مصارينك". ومع اقتراب نهاية رمضان، وقع الباحثون على أغنيات أخرى مثل: "رمضان في الكُتَّاب بيمسح لوحه/ فاضل تلات دقايق وتطلع روحه"، وأغنية: "اللي صايم يفطر/ ع الكحكة أم سكر". وفي ذلك إشارة إلى ما يقوم به المصريون في الأيام الأخيرة من رمضان بصناعة بعض المخبوزات استعداداً للعيد.

دلالات

المساهمون