جلسة نقاشية تسأل: ما المتاحف الأعظم في العالم؟

جلسة نقاشية تسأل: ما المتاحف الأعظم في العالم؟

29 مارس 2019
الجلسة ركزت على الرؤى الجديدة للمتاحف (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يتوقف النقّاد والمختصون في المتاحف عن النقاش، وطرح الأسئلة بشأن المتاحف الأعظم في العالم. ما الوصفة التي تجعلها جديرة بوصف العظمة؟

في الجلسة النقاشية التي استقبلها متحف قطر الوطني ظهر أمس، ضمن جلسات "قطر تبدع" المصاحبة لافتتاحه، أجمع مديرو متاحف كبيرة على عناوين عريضة، يمكن لأي متحف أن يستلهم منها ويبني تجربته الذاتية.

و"ربما لا نتفق على ما هو العظيم، فليس هناك معادلة، وإنما الشغف والحماسة، وتذكر ما قاله ألبرت أينشتاين عن أهمية الخيال دائماً في الوصول إلى أي مبتغى". هذا ما قاله السير جون لايتون المدير العام للمعارض الوطنية في إسكتلندا، وأحد المتحدثين في الجلسة التي ضمت الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر، وميخائيل بيوتروفسكي، مدير متحف أرميتاج الحكومي في سانت بطرسبرغ (روسيا)، ولورانس دي كار مديرة متحف أورسيه في باريس، وآدم وينبرغ مدير متحف ويتني للفن الأميركي في نيويورك. أدارت الجلسة جوليا جونيلا مديرة متحف الفن الإسلامي.

وبدل التحدث عن متحف أعظم من متحف، ذهبت الجلسة إلى تقديم وجهات نظر بشأن أدوار المتاحف الحالية والمحتملة في المستقبل، بوصفها مؤسسات ثقافية وأماكن للتفاعل الاجتماعي.

بالنسبة للشيخة المياسة، فإن الفن المعماري للمتحف والبيئة المحيطة به وتوفير تجربة رائعة للزائر، هي أبرز العوامل التي تجعل من المتحف مكاناً حيوياً، ووجهة للاستقطاب.

وتضيف أن المتحف لا يقتصر دوره على جمع المقتنيات، لافتة إلى أن المتاحف في القرن الحادي والعشرين لا بدّ أن تعتمد طريقة أكثر إبداعاً، بأن تتحول إلى منصة لبناء التفاعل الاجتماعي وفتح آفاق الحوار، والتعلم والترفيه.

بدوره، يقول بيوتروفسكي إن روح الحداثة هي عنوان المتحف، بالتماشي مع المقتنيات وكيفية إدارتها. كما أن الجانب المعماري يقدم تاريخاً لا للمتحف فقط، بل للبلد كله.

يذكر أن بيوتروفسكي تولى إدارة متحف أرميتاج في سانت بطرسبرغ الروسية منذ 1992، ومن المشاريع التي يديرها نماذج مصغرة للأرميتاج في بلاد عديدة مثل هولندا وإيطاليا.

هذه "الأرميتجات" الصغيرة، نسخة ثقافية من العولمة التي يرى بيوتروفسكي أنها لم تعد قصراً على الاقتصاد، لافتاً إلى فعاليات متنقلة، ومنها "أسبوع أرميتاج" في قطر.

في هذا السياق تقول لورانس دي كار، إن المعارض المؤقتة أيضاً تزيد من دينامية المتحف، مشيرة إلى المعرض الشهير لبيكاسو الذي أقيم العام الفائت في متحف أورسيه. هذا المتحف الذي تديره دي كار يقع على الضفة الغربية لنهر السين، وكان سابقاً محطة للسكة الحديد.

مثل هذه التجارب لم تكن غائبة عن الدوحة، فالمعارض المؤقتة التي تقام في المتاحف القطرية عرفت العديد من الأسماء البارزة، مثل بيكاسو، وجياكوميتي، وكازيمير ماليفيتش الذي يستمر معرضه حتى شهر مايو/ أيار في غاليري مطافئ - مقر الفنانين، ومعرض مقبول فدا حسين، الذي يستضيفه المتحف العربي للفن الحديث.

آدم وينبرغ يدير متحف "ويتني" الأميركي الذي أُسس في مانهاتن عام 1930، ويركز على الفن الأميركي في القرن العشرين والواحد والعشرين.

من زاويته يرى أن استمرار المتحف في تميزه مرتبط بالجديد الذي يقدمه، ومن ذلك الجانب التعليمي والتفاعلي، مشيراً إلى أن المعنى الأول للفن منذ الرسم على جدران الكهوف، هو إزالة الحاجز بينه وبين البشر.

السير جون لايتون أدار متحف فان جوخ في أمستردام من عام 1997 حتى عام 2006. ويقول إن المتحف لشخص واحد، حتى لو أنه لفان جوخ، الاسم الكبير في الفن، مشيراً إلى أن إدارته للمتحف كانت تقضي بدفعه إلى تجاوز الطابع المحلي، بما يجعله موجهاً إلى العالم، لا فقط الهولنديين.

من المتحف الصغير في هولندا انتقل لايتون إلى مسؤولية أضخم بكثير، هي إدارة المتاحف الوطنية في اسكتلندا.

جون لايتون: ليست هناك معادلة للمتحف العظيم وإنما الشغف والحماس (العربي الجديد)

ويعلق قائلاً: "ليس السؤال ما هذا المتحف، بل لماذا يشيد؟ ولمن يتوجه؟ وهل تكفي زيارة واحدة سطحية له، وإلى أي درجة يسرد تفاصيل تتعلق بالهوية؟".

كلمة "وطني" التي تشير إليها المتاحف تحت إدارة لايتون، تفتح الباب على سؤال "لمن يتوجه المتحف؟". فوفقاً له، هناك اسكتلنديون يريدون الاستقلال عن المملكة المتحدة، وهناك من يريد البقاء تحت مظلتها، وعليه فإن المتحف يجب ألا يكون منحازاً، إذ هناك خطر في الإقصاء. الهوية والسياسة ليستا على وتيرة واحدة، حسب قوله.

أما الفرنسية لورانس دي كار فتقول إن متحف أورسيه، وهو مؤسسة وطنية فرنسية، ينشغل بالجانب الاقتصادي لا الحوار الثقافي الهوياتي، كما هي الحال في اسكتلندا. والمهمة التعليمية لدى المتحف هي أن يتحلى بصفة عالمية، كما هو متحف اللوفر الذي لا يكتسب قيمته من إبراز الفن الفرنسي فقط.

يعقب الروسي بيوتروفسكي بأن الفن جزء من الثقافة، والحوار الذي يتيحه أي متحف لا يلغي أن التاريخ يصبح إرثاً مشتركاً، يضيف.

وعليه، فليست المسألة في التمترس وراء أسئلة "من أفضل تاريخنا أم تاريخكم؟ ومن أعمق؟ ومن أعرق؟".

وتساءل بيوتروفسكي: ماذا يمكن أن يقدم متحف في فلورنسا لزوّار صينيين؟ هذا بالنسبة إليه تراث إنساني مشترك، حتى لو سبقته في التاريخ القديم فتوحات وحملات عسكرية. وبما أنه تراث، فقد تحبه أو لا، بيد أنك إن لم تحبه فليس لك الحق في إقصائه، كما حدث في سورية والعراق من تدمير لمتاحف، لم يرض عنها المتشددون.

ميخائيل بيوتروفسكي: ليس لأحد الحق في إقصاء الإرث الإنساني (العربي الجديد) 

تطرق المتحدثون كذلك إلى الثورة الرقمية، ودورها الجديد في تغيير النشاط المتحفي.

لكن النقاش كما يخلص الجميع لا يختتم، بل يواصل طرح الأسئلة مجدداً، ما دامت المتاحف تسعى لأن تكون مجالاً حيوياً للتعبير والتبادل، ولا تكتفي فقط بعرض المقتنيات.

دلالات

المساهمون