صوماليون يقاومون غزو الرقصات الشعبية بإحياء التراث

صوماليون يقاومون غزو الرقصات الشعبية بإحياء التراث

08 مارس 2015
إحدى رقصات التراث الصومالي (الأناضول)
+ الخط -


التشبث بتراث الأجداد والحفاظ عليه أمام الرقصات الشعبية الحديثة والأجنبية، أمر دفع العديد من الشباب الصوماليين إلى التردد بشكل شبه يومي على أحد المراكز ليتعلموا فنون الرقص الشعبي، وينالوا قبساً من أثر أجدادهم من الرقصات الشعبية التي كان يؤدونها بطريقتهم الخاصة، حيث يأمل هؤلاء الشباب في تجديد هذا التراث مع ما ينسجم مع واقعهم الحالي.

بفكرة بسيطة وجهود فردية لإنقاذ التراث الشعبي الذي كاد أن يندثر نتيجة الحروب الأهلية التي أكلت الأخضر واليابس، وغيبت الرقصات التقليدية وفرضت الرقصات الحديثة التي غزت البلاد، تتحدى "ماما ذهبة صلاد"، صاحبة المركز الذي يضم 30 شابا وشابة، انتشار هذه الرقصات الحديثة، وتبذل جهوداً لإحياء الرقصات الشعبية الصومالية.

وتأسس هذا المركز في فبراير/شباط عام 2014 في حي "هذن" وسط العاصمة مقديشو، وهو مركز مستقل يستطيع المرء أن ينضم له بدون شروط سوى أن يكون مستعدا لتعلم فنون الرقص، بحسب "ماما ذهبة" كما يناديها المتدربون.

مع تعدد الرقصات الشعبية ومنها (طانتو، وولسقو، وسار، وبيري) يعكف هؤلاء الشباب يومياً على تعلم الأسهل منها، حيث يقف الشباب والشابات في صفين متقابلين وهم يرددون عبارات تحث الشعب على السلام والتخلي عن نهج الحروب في رقصة شعبية أطلق عليها الصوماليون "طانتو".

الرقصات الشعبية باتت هواية الكثير من الشباب الصوماليين، فعبد النور أحمد (25 عاما) يحلم منذ صغره، أن يكون راقصاً شعبياً، ويشكل هذا المركز مكانا ملائماً يعرض فيه هوايته التي فتن بها منذ الصغر، إلا أنه لم يتمكن بعد من إظهار ما لديه من موهبة في الفترة الماضية خوفاً على حياته، على حد قوله.


وقال عبد النور للأناضول إن "الرقص الشعبي يمنحني نوعا من السعادة، وأعتبر هذا المركز عائلتي الثانية نظرا للوقت الذي أقضيه فيه، ولدي آمال تكاد تتحقق بالانضمام إلى هذه الأسرة الشعبية".

بصوته الشجي ودقة أدائه يتألق عبد النور في رقصة "طانتو" حيث بات يطلق عليه "عبدي طانتو"، وقد أصدر ألبومه الأول بعد 11 شهرا من ممارسته هذه الرقصات.

حب الرقص ليس فقط ما يجذب انتباه جوليد صبري (26 عاما) لينضم إلى هذا المركز؛ حيث قال للأناضول "كنت من هواة رقصات الهيب الهوب (رقصات غربية) في حفلات الزفاف والمناسبات، لكن ذات يوم بينما أنا أشارك في حفل عرض للرقصات الشعبية أدركت أن هناك تنافسا بين التراث الصومالي الأصيل والرقصات الحديثة".

وأضاف "أستمتع دائماً برقصاتنا الشعبية التقليدية بدلا من الحديثة مثل الراب الأميركي، التي كنا نحفظ ألحانها وكلماتها دون أن نفهم ما تتضمنها من رسائل حب أو غزل أو مغزاها"، مشيرا إلى أن المركز يوفر لهم وعيا ثقافيا لتنمية قدراتهم الشخصية لمواصلة فنون هذه الرقصات الشعبية.

صقل الأداء الفني الشعبي

ولم يكن دور هذه الفرقة مقتصرا على هذا المركز الذي يصقلون فيه أداءهم الفني الشعبي، بل يشاركون أحيانا في المناسبات العامة لعرض رقصات مستوحاة من الحياة الرعوية، وهي المناسبات التي يشارك فيها المسؤولون الحكوميون حيث صارت فرقة خاصة لبلدية مقديشو التي تلعب دورا بارزاً في المناسبات وخاصة أثناء ترحيب المسؤوليين.

أما نعيمة عبد القادر (23 عاما) فقضت 6 أشهر في هذا المركز، قبل أن تكون عضواً فاعلاً في الفرقة المعروفة باسم "هريال بان"، فمعظم زميلاتها ما زلن في مرحلة التدريب لكن سرعة فهمها وصوتها الجميل واتزان حركاتها، كلها أمور مكنتها من تجاوز فترة التجربة والتدريب.

وبنبرات يملؤها الفرح والسعادة، تابعت نعيمة "الأمر ليس سهلا في التأقلم مع حركات وتمايلات هذه الرقصات في نظر الكثيرين، لكن الصبر والالتزام بممارسة الرقصات سبيل كل من يريد أن يكون راقصاً شعبياً".

وأضيف وهي تهم بالمغادرة "أن تخدم وطنك وتساهم في استقراره في أي مجال تتقنه هو حلم كل مواطن لبلده، ونحن عازمون على توعية ونشر السلام من خلال هذه الرقصات".

كل شيء في هذا المركز يعود إلى الماضي حتى صار الطعام الذي يتناوله الشباب والشابات فيه إرثاً يعود إلى حياة البادية، حيث يتناول الجميع "السور" (العصيدة مع اللبن) اقتداء بأجدادهم، كما أن ملابسهم تحاكي الماضي وشعرهم المجعد المكثف يحكي قصة الأجداد الذي كان وعاء للحفاظ على الرقصات التقليدية والإرث الصومالي الأصيل.

رقصات السلام

وفي قديم الزمان، كانت الرقصات والأغاني الشعبية والأدب، وسائل يستخدمها الصوماليون للتوعية وإصلاح القبائل ونشر السلام في ما بينهم، بحسب مكة أحمد المتدربة في المركز.

بعد التحسن الأمني الذي يشهده الصومال هذه الأيام وطرد مقاتلي حركة "الشباب المجاهدين" من الأقاليم الصومالية، عادت الرقصات الشعبية حيث يوجد في بعض الأقاليم فرق غنائية لإحياء التراث الشعبي الذي يواجه منافسة كبيرة مع الألعاب الحديثة والراب الأميركي، ويطمح هؤلاء الشباب في تخطي الحدود للمشاركة في المسابقات الدولية والمحلية ليظهرو للعالم الوجه الجديد في الصومال.

ويخوض الصومال حرباً منذ سنوات، ضد حركة "الشباب المجاهدين"، كما يعاني من حرب أهلية ودوامة من العنف الدموي منذ عام 1991، عندما تمت الإطاحة بالرئيس آنذاك محمد سياد بري تحت وطأة تمرد قبلي مسلح.

وتأسست حركة "الشباب المجاهدين"، عام 2004، وهي حركة مسلحة تتبع فكرياً لتنظيم القاعدة، وتُتهم من عدة أطراف بالإرهاب، وتقول إنها تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الصومال.

دلالات

المساهمون