لعنة آيزنبرغ: غياب الأداء

لعنة آيزنبرغ: غياب الأداء

27 مايو 2019
"مشروع الطائر الطنّان": الأداء الفاشل (فيسبوك)
+ الخط -
قبل نحو عقدٍ من الزمن، كان الممثل جيسي آيزنبرغ أحد أهم المواهب، التي تنتظرها مسيرة كبيرة في هوليوود. حدث هذا تحديدًا مع تأديته شخصية مؤسّس موقع "فيسبوك"، مارك زكيربرغ، في The Social Network، الذي أنجزه ديفيد فينشر عام 2010، ورُشِّح عن دوره فيه لـ"أوسكار" أفضل ممثل (2011)، لتقديمه أداءً مختلفًا وفريدًا للغاية. 

لكن، يبدو أن الأمر بات لعنةً. فبعد مرور أعوام عديدة على تأديته هذا الدور، لم يستطع آيزنبرغ الخروج من أثره، وصار يؤدّي الأدوار كلّها بالطريقة نفسها: ملامح ثابتة، كلام سريع، انفعالات شبة مُنعدمة لمن يُفترض بهم أن يكونوا رجالاً شديدي الذكاء. فهو لا يختلف أبدًا بتأديته دور الساحر، في Now You See Me، بجزئيه (الأول عام 2013 مع لويس لوتيرّييه، والثاني عام 2016 مع جون أم. شو)؛ أو ليكس لوثر، الشرير الشهير في فيلم الـ"كوميكس"، الذي أنجزه زاك سنايدر عام 2016 بعنوان "باتمان في مواجهة سوبرمان: فجر العدالة"؛ وصولاً إلى فنسنت زاليسكي، في "مشروع الطائر الطنّان" (The Hummingbird Project) لكيم نْغويان، الذي يُعرض حاليًا في الصالات الدولية، وفيه بلغت نمطية أدائه درجة الملل، بتحوّل "الموهبة اللافتة للانتباه في هوليوود" إلى مجرّد نسخة مكرّرة للشخصية نفسها.

في جديده هذا، يبدو المخرج والسيناريست الكندي نْغويان كمن يضع آيزبرغ وشخصية زكيربرغ في ذهنه عند كتابة شخصية زاليسكي. فالتشابه بين الشخصيتين السينمائيتين كبير، داخليًا وخارجيًا: شاب عبقري يعمل في الأسواق المالية، ويضع خطة مع ابن عمه آنتون (ألكسندر سكارسغارد) لاستغلال "التداول عالي التردّد"، وهو مصطلح مُستخدم في البورصة، يعني فتح صفقات مالية وإغلاقها في فترة زمنية قصيرة جدًا، تصل إلى أجزاء من الثانية، ومن يملك الأجهزة الأسرع في استبيان الوضع وقراءته وتحليله، يمكنه كسب ملايين الدولارات الأميركية. لذا، تقضي خطة فنسنت وآنتون ببناء أليافٍ ضوئية خارقة السرعة الإلكترونية، بين كانساس ونيوجيرسي، بشكل يعطيهما أفضلية "ميلّي ثانية"، فيُصبحان من أصحاب الملايين. لكن الخطة تصطدم بمديرتهما السابقة إيفا توريس (سلمى حايك)، التي تدرك ما يحدث.

يعتمد الفيلم على إيقاع لاهث للغاية. فكرته الأساسية عن السرعة والزمن والـ"ميلّي ثانية"، التي تصنع فرقًا بين كسب ملايين الدولارات الأميركية أو خسارتها. يتبنّى المخرج الطريقة نفسها في صناعته: مونتاج سريع، تفاصيل تكاد لا تظهر، ممثلون يتحدثون عن مسائل تكنولوجية واقتصادية شديدة التعقيد، في جملٍ لاهثة متتالية لا تنقطع، وهذه أبرز مشكلة يقع فيها فيلم إثارة، طموحه الواضح أن يكون فيلم "احتيال"، لكن بشكل عصري، يعتمد على بياناتٍ وأرقامٍ وشاشات كمبيوتر، تجعل المُشاهد يعاني قبل استيعاب خطوط الأحداث وملاحقتها، وإدراك قواعد اللعبة وما يُمكن أن يحدث، فيفقد الاهتمام في لحظة معينة، إلا إنْ تكن له خلفية وإدراك مسبقان للتفاصيل التي يتناولها الفيلم.

أدائيًا، وبعيدًا عن نمطية جيسي آيزنبرغ وإدارته من مخرج، إلى درجة أن هناك مشاهد معينة تبدو نسخة طبق الأصل من فيلم ديفيد فينشر، فإن الممثلين الآخرين أفضل حالاً، وتحديدًا ألكسندر سكارسغارد، المجتهد فعليًا في دور آنتون، مانحًا إياه خليطًا مميّزًا، وإنْ لم يكن جديدًا، في عبقريٍّ يقوم بأفعالٍ غريبة وكوميدية للغاية؛ ومايكل ماندو (المعروف بشخصية رجل العصابات في المسلسل التلفزيوني Better Call Saul)، الذي يكشف أكثر عن موهبة كوميدية؛ وسلمى حايك، في شخصية امرأة حادّة ومخيفة، تؤدّيها بشكلٍ مقبول.

دلالات

المساهمون