توباك شكور... أن تصرخ في وجه عدوك

توباك شكور... أن تصرخ في وجه عدوك

10 ابريل 2019
أغنيته hit’em up قد تكون سبباً في مقتله (Getty)
+ الخط -
الصراع الأشهر في عوالم الراب الأميركي بين الساحل الشرقي والغربي يتمثل بالحرب الفنيّة والواقعيّة بين توباك شكور (1971 - 1996)، وبيغي سمولز (1972 - 1997). صحيح أن الاثنين قُتلا نهاية، ولم يعرف قاتل توباك نهائياً، لكن ما زالت موسيقاهما وكلماتهما متداولة حتى الآن، وتحولت إلى نوع من الحكمة الشعبية، خصوصاً كلمات شاكور، أو ماكيافيللي، الشاعر، الذي يقتحم المكان بغضب للحصول على حقه، كون زمن السؤال والتهذيب قد ولّى؛ فعنف الشرطة والعنصرية وحروب العصابات تركت أولئك الذين سألوا بأدب موتى أو في السجون.

لن نتحدث عن تجربة توباك بأكملها، بل أغنية واحدة هي hit’em up الصادرة عام 1996، والتي يؤدي فيها الأوتلوز إلى جانب توباك، ووصل إثرها الصراع بين الساحل الشرقي والغربيّ إلى أقصاه، خصوصاً أن توباك يتهم فيها بيغي سمولز بإطلاق النار عليه عام 1994، لتكون أقرب إلى مانيفستو إعلان حرب ضد الساحل الشرقي، وتهديداً صريحاً ومباشراً لكل من يقف بوجه توباك أو يساند "أعداءه". لماذا أغنية واحدة؟ لأنها ليست فقط تعبيراً مجرداً أو مجازياً، بل حدث في العالم، يشير بوضوح إلى ما فيه من عطب؛ فتوباك يهتف باسمه، ويشير بوضوح إلى أعدائه وكارهيه. الإيقاع الغاضب وليد الطلقات الخمس التي أصابت جسد توباك. توباك يمثّل خطراً قادماً، ولا بد من "الاتصال بالشرطة" والاستعداد لمواجهته.

يسمّي توباك الأحداث بأسمائها، لا يوارب وراء مجازات أو توريات، فالأغنية تتحدث بداية عن ادّعاء توباك ممارسة الجنس مع زوجة بيغي، فايث إيفينز، أو "ليل كيم"، بالرغم من أن إيفينز أنكرت ذلك، إلا أن البعض يظن أن صوتها موجود في الأغنيّة، إذ سجلت سابقاً مع شاكور، الذي أعاد توزيع ما سجلته وأدرجه في الخلفية لنسمعها تردد: "خذ النقود"، فهي تشير إلى أغنية لبيغي بعنوان "أحصل على النقود". الشخصي والعلنيّ يتداخلان في الأغنيّة. توباك يعلن بذكوريّة عالية أنه "أفحل" من بيغي، هو لم يكتف بمضاجعة زوجته، والسخرية من أغنيته، بل استخدم صوتها ضده.


يستعيد توباك صداقته الماضيّة مع بيغي، وكيف كان يؤويه في منزله، وينام الأخير على الكنبة، ليتهمه بعدها بسرقة "أسلوبه"، لا فقط في الغناء، بل في الحياة أيضاً، فتوباك يرى نفسه وليد الشوارع والعصابات، هو ضحيّة نظام مصمم ليبقيه في الأسفل، وعليه أن يقاتل حرفياً كي ينال حقه، وبيغي ليس إلا مقلّداً ساذجاً.

كمية الغضب والسباب التي تحويها الأغنيّة أثارت حفيظة الكثيرين، فهي ليست إلا هجاء أعمى موجها ضد "الجميع". وما يثير الاهتمام أنه حتى بعد مقتل شكور، ما زالت ألبوماته تصدر، ويُعاد إنتاجها وتوزيعها، ويشير فيها دوماً إلى القاتل، ليكون من القلائل الذين يستمر تراثهم الموسيقي حتى بعد وفاتهم، هو شبح يطارد من قتله، لا نعلم إن كان فعلا بيغي سمولز أو لا، إذ لا اتهامات حقيقية، لكن حتى وبعد "فض النزاع" بين الساحلين، كلمات توباك ما زالت تشكّل صدى حاضراً، لدرجة أنه تحول إلى أسطورة شعبيّة، تعيش في الموسيقى وفي مخيّلة الشباب الغاضب بوصفه شهيد نظام قاس وعنصري. صحيح أن هذا الكلام رومانسيّ، لكننا نتحدث عن فئة اجتماعيّة تتحرك على حواف القانون، وترى في الكتلة البشريّة المدعوة بـ"الشرطة" عدواً، يصفهم بتجار مخدرات وقوادين.

هذه العداوة بدأت منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون في السبعينيات، وحملة الحرب على المخدرات التي راح ضحيتها الكثير من أصحاب البشرة السوداء، والتي ما زالت آثارها إلى الآن قائمة؛ إذ شكلت التسعينيات مرحلة حساسة بسبب الكمية الكبيرة من التهم العشوائية والأحكام غير العادلة بحق أصحاب البشرة الداكنة. بالعودة إلى الأغنيّة، فإن الفيديو كليب الذي صوره شكور يحضر فيه ممثلون يلعبون دور بيغي وليل كيم، ونراه يغني فيه أمام خلفية بيضاء، خلفه شاشات يُظهر فيها الشرطة وبيغي وباف دادي، الأهم أن كمية الغضب التي نسمعها في الأغنية نراها مرئية أمامنا، لا بوصفها تمثيلاً، بل حقيقة، إذ يقال إنه أثناء تصوير الفيديو كليب كان الجو مشحوناً ومليئاً بالحساسيات بين توباك ومن معه.



حتى أنه قام بطرد واحدة من مساعداته، إلا أن القشعريرة تسري في البدن حين نشاهد التهديدات علنية وواضحة، وتوباك يحدق في الكاميرا بعيني من يشاهد صارخاً فيه أن يستعد، فدورك حان، قادمون إليك للانتقام. الغضب والعداوة في الأغنيّة ليسا بالجديد ضمن عوالم الراب، فأغنية "فاك ذا بوليس" التي صدرت عام 1988 أثارت الانتقادات نفسها، بل أنها منعت في عدد من الإذاعات، ويُقال إن الأف بي آي، كتبت لفرقة NWA أصحاب الأغنيّة، رسالة تعبير عن رفض كلماتها والصورة السيئة التي يظهر فيها الشرطة ضمنها، لكن تبين لاحقاً أنها رسالة فردية من عنصر أف بي آي، ولا تمثل المكتب الفيدرالي.

دلالات

المساهمون