تحدي الرقص: أطباء إيرانيون على إيقاع كورونا

تحدي الرقص: أطباء إيرانيون على إيقاع كورونا

10 مارس 2020
اتهم مغردون السلطات بتنظيم التحدي لتصوير الوضع بأنه "عادي"(Getty)
+ الخط -
منذ أكثر من أسبوعين، تحوّلت المستشفيات الإيرانية إلى ساحات حرب ضد فيروس كورونا، بعد الإعلان رسمياً عن اكتشاف أولى حالات الإصابة به في التاسع عشر من الشهر الماضي. يعيش الأطباء والممرضون الإيرانيون ظروفاً عصيبة هذه الأيام، لم تمر عليهم من قبل منذ نشوء الطب الحديث وانتشاره في البلاد، حتى خلال أيام ثماني سنوات من الحرب الإيرانية العراقية، حيث فقد عدد منهم أرواحهم خلال هذه الظروف، بالإضافة إلى حالات إصابة متزايدة في صفوفهم.

إلا أن هؤلاء المقاتلين على الجبهات الأمامية في مواجهة كورونا، كما باتوا يوصفون بذلك، أبوا أن يستسلموا للأمر الواقع، وهم يربطون الليل بالنهار في هذه المعركة، مسطّرين معاني سامية في التضحية وحب للإنسانية على ضوء نقص كبير في مستلزمات الوقاية، مثل الكمامات والألبسة الطبية الخاصة. فاختار الأطباء والممرضون الإيرانيون، من الرجال والنساء، إلى جانب عملهم الطبي والصحي الدؤوب، سلاح الرقص لشنّ حرب نفسية على الأجواء "الكورونائية"، التي تعيشها المستشفيات والمجتمع في إيران، بغية السيطرة عليها ورفع معنويات البعض والمصابين وأبناء الشعب.
مشاهد الرقص الجماعية، التي تظهر فيها طواقم طبية ترتدي أقنعة وملابس واقية في إطار "حملة أو تحدي الرقص" أو ما بات يطلق عليه البعض "رقصاً كرونائياً"، باتت تنتقل من مستشفى إلى آخر في إيران، وهي حالة غير مألوفة وفي الوقت نفسه غير مسبوقة منذ قيام الثورة الإسلامية في البلاد عام 1979، لكونها تحدث لأول مرة، باعتبارها حادثاً يكسر المحظور، ولم تتصد لها السلطات، لطبيعة المرحلة الصعبة، والأهمية القصوى لدور هذه الشريحة المجتمعية في مواجهة العدو الفتاك، أي كورونا، الذي باتت مفاعيله تتجاوز مفاعيل العقوبات الأميركية.

وهنا، قال مغردون ومستخدمون على شبكات التواصل الاجتماعي إنه لو كان "تحدي الرقص" في ظروف عادية، لتمت ملاحقة المشاركين فيه، لكنهم اليوم بغض النظر عن أن الظروف تمنع لا يمكن التعرف إليهم لكونهم يرتدون أقنعة وملابس خاصة.
خلال الأيام الأخيرة، اجتاحت ساحات العالم الافتراضي عشرات الفيديوهات عن مشاهد الرقص بين طواقم طبية. وتنوعت المشاهد، بحسب المقاطع المنتشرة، بين الفارسية والكردية والتركية وأنواع أخرى. اللافت أن مقاطع الرقص لم تخل عن الترويج للتوصيات الصحية في مواجهة كورونا، إذ إن بعض الممرضين قاموا بتعليم طريقة غسل الأيدي من خلال الرقص.
كما أظهرت الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل مشاركة مصابين بكورونا إلى جانب طواقم العلاج في "تحدي الرقص".

خطف "تحدي الرقص" الأضواء من تحدٍّ آخر، هو "تحدي الضحك"، الذي أطلق قبله، لمواجهة حالة البؤس والإحباط، التي تجتاح المجتمع الإيراني، لكن الإقبال عليه لم يكن بكثافة الترحيب بـ"تحدي الرقص"، حيث واجه انتقادات بين المستخدمين، فمنهم من قال إن لا يوجد ما يدعو للضحك هذه الأيام وعلينا ألا نخادع أنفسنا.
إلا أن مقاطع الرقص المصورة، التي خرجت من مستشفيات، وعناصرها مقاتلون على جبهات القتال ضد كورونا، كان لها وقع مختلف، ليتداولها سريعاً الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وسط إقبال واسع.

مع ذلك، فثمة جدال وردود فعل مختلفة، أثارها رقص طواقم طبية إيرانية من الرجال والنساء، ليتعرض لها مستخدمون بنقد وانتقاد، لاعتبارات دينية أو غير دينية. فمنهم من اعتبر هذا الرقص "عملاً حراماً"، ومنهم من قال إن ذلك يشبه تعاطي الجنود الخمر في جبهات القتال في الحروب العسكرية.

وكتب المغرد محسن مقدس زاده، وهو رجل دين كما يتضح من صورته، أن "المستشفى التي تعتز بالمعصية، تخلو حتماً من الشفاء. كما أن من يغض الطرف عن المعصية لاسترضاء الآخرين من دون أن يسجل اعتراضاً، فهو قد باع دينه أيضاً".

وهناك من نظر إلى "تحدي الرقص" من منطلق ديني، لكن من دون أن يغفلوا عن تأثير هذه المقاطع على رفع معنويات المصابين والعاملين في القطاع الصحي الإيراني، في مثل هذه الظروف، فطالبوا بعدم تجاهل وإنكار أهمية هذا التأثير، حيث دعا سياوش آقاجاني، وهو ناشط من محافظة جيلان، شمالي إيران، التي تعد من ضمن المحافظات الأكثر عرضة لفيروس كورونا، إلى عدم الخلط بين القضايا والمواضيع، قائلاً إن جهود الممرضين والممرضات والأطباء والطبيبات "محل تقدير وحتى تقديس لتضحيتهم بالنفس في سبيل معالجة المصابين بكورونا، وأن يسعى بعضهم إلى رفع المعنويات بفعل حرام مثل تحدي الرقص محل انتقاد، لكن لا ينبغي أن يكون هذا الانتقاد على حساب أهمية تأثير الفعل في رفع المعنويات".

في الأثناء، تصدّى البعض للموضوع، معتبراً أن "تحدي الرقص" "تصرف غير لائق" في هذه الظروف، ليقول مغرد إن "تحدي الضحك والرقص يخصان ظروفاً تتخذ الأزمة مساراً تراجعياً وليس في ظروف تتصاعد فيها الأزمة"، مضيفاً أن الطواقم الطبية "بحاجة للمستلزمات والمعدات الطبية لأجل تعزيز معنوياته ومكافحة كورونا وليس لتحدٍّ يتم فيه خداع الذات".
والمفارقة أنه بين هذه الآراء والتعليقات، اتهم مستخدمون ومغردون السلطات بتنظيم هذا التحدي لتصوير أوضاع البلاد بأنها "عادية" للخارج، متجاهلين أن تحدي الرقص بحد ذاته كسر "التابو".

كما أن ثمة آراء اعتبرت أن "تحدي الرقص" عكس تحولاً اجتماعياً في إيران، مشيرين إلى أن المجتمع بات يلجأ إلى أدوات وأساليب جديدة لمواجهة الأحداث والكوارث، مع اعتبار هذا التحدي على أنه "تحدٍّ للمحظور".

وإجمالاً، فإن غالبية التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت "إيجابية ومرحبة" بتحدي الرقص. ووجّه أصحاب هذا الطيف من التعليقات انتقادات لمن هاجم الطواقم الطبية، بسبب الرقص.

كما أن مواقع إيرانية، اختارت الرد على المهاجمين من خلال نشر صور عن أوضاع صعبة تعيشها الطواقم الصحية في المستشفيات، منها صور عن نومهم على الأرض، تظهر حالة تعب وإرهاق شديد.

وسجّل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الأميرال علي شمخاني، بطريقته تحفظاً على "تحدي الرقص"، من خلال نشر مقطع من فيلم "من كرخة إلى رايين"، على حسابه في "تويتر"، يصور مقاتلين إيرانيين إبان الحرب الإيرانية العراقية، حيث يرقد واحد منهما بالمستشفى وآخر معاق يرتدي طرفاً صناعياً، يحاول الرقص لإدخال السرور في قلب زميله.

المساهمون