"مهمة مستحيلة": ما يفسده السيناريو... يصلحه الاخراج

"مهمة مستحيلة": ما يفسده السيناريو... يصلحه الاخراج

09 اغسطس 2018
توم كروز مؤدّيًا مشهدًا في "مهمة مستحيلة: 6" (فيسبوك)
+ الخط -
في العقد الأخير، تحديدًا مع النجاح المستمر لأفلام الأبطال الخارقين ومهماتهم غير المنتهية لإنقاذ العالم، ازداد اعتماد المخرجين وشركات الإنتاج على الـCGI (Computer-Generated Imagery)، أي "الصورة التي يصنعها الكمبيوتر" كمؤثّرات خاصة، ما يُسهِّل تصوير أفلام كاملة (تقريبًا) على "شاشة خضراء" (Green Screen) ثم إضافة العالم كلّه. كما بات يُعاد كثيرًا خلق الأشخاص أيضًا على جهاز الكمبيوتر، ما قلَّل بالطبع من دور "نجم الأكشن" بمفهومه الكلاسيكي المزدهر في ثمانينيات القرن الـ20 (بروس ويليس وأرنولد شوارزينيغر وغيرهما) وتسعينياته (توم كروز وكيانو ريفز تحديدًا). 

من دون تلك الخلفية، لا يمكن فهم النجاحين النقدي والجماهيري الكبيرين اللذين عرفهما الجزء السادس من السلسلة السينمائية "مهمة مستحيلة ـ السقوط" لكريستوفر ماك كاري منذ بداية عرضه (بلغت إيراداته الدولية بين 27 يوليو/ تموز و5 أغسطس/ آب 2018 329 مليونًا و487 ألفًا و371 دولارا أميركيا، لقاء ميزانية إنتاجية تساوي 178 مليون دولار أميركي).
لا يحمل الفيلم أي ابتكار في القصّة والسيناريو. مهمّة أخرى معتادة لإنقاذ العالم من شرير يسعى إلى تفجير قنابل نووية تبيد ثلثي الكرة الأرضية، فيُكلَّف إيثان هانت (توم كروز) وفريقه بمهمّة استعادة 3 كرات من الـ"بلاتينيوم" المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية قبل حصول جماعة "الرسل" عليها، وهي جماعة مكوَّنة من ضباط سابقين من دول مختلفة تمرّدوا على أجهزتهم الأمنية والاستخباراتية، يقودها سولومون لاين (شون هاريس)، الذي قبض عليه هانت في الجزء السابق، ولا يزال حيًّا يُرزق في السجن.



أثناء تنفيذ "المهمة المستحيلة" لمنع إبادة العالم، تواجه المجموعة ـ والمُشاهدين ـ مفاجآت وانقلابات وخيانات، تمامًا كأفلام الجاسوسية كلّها، من دون أي جديد.
يزداد الوضع سوءًا مع سعي السيناريو، في منتصف الفيلم، إلى صنع انقلابات مفاجئة، إلى درجة حدوث 4 منعطفات درامية في 5 دقائق تقريبًا، حوّلت الأمر إلى لعبة تصعب متابعتها.
فما هو الجيد في الفيلم، وما هو سبب نجاحه؟

هناك اسمان يمكن إحالة نجاح الفيلم إليهما: المخرج كريستوفر ماك كاري (1968)، الحائز على ثقة توم كروز (1962) في الأعوام الأخيرة، إذْ لم يكتفِ بالتعاون معه في 6 أفلام متتالية ككاتب أو مخرج أو منتج، بل جعله "المخرج الوحيد" في تاريخ سلسلة "مهمة مستحيلة" الذي يحظى بفرصة إخراج جزئين متتاليين (الأول بعنوان Rogue Nation، 2015)، علمًا أنه كتب سيناريو Protocole Fantome (2011) لبراد بيرد أيضًا. في الوقت نفسه، ترك له حرية ربط عوالم الفيلمين أحدهما بالآخر كسيناريست، والاحتفاظ بالـ"شرير" الرئيسي سولومون كخصم متكرّر، أو بمدّ الخطّ العاطفيّ في حياة هانت ليصبح أقرب قليلاً من المشاهد.

تلك الثقة الكبيرة في محلها تمامًا، نظرًا إلى ما يمنحه ماك كاري للفيلم: مشاهد حركة كلاسيكية رائعة، لا يعتمد فيها على الـCGI والمؤثّرات، لكنه يصمِّمها وينفّذها فعليًا، ويجتهد الوقت كلّه لمنحها صبغة حقيقية، كأفلام الأكشن التي أحبّها الجمهور قديمًا. كما أنه لا يبخل أبدًا في اختراع أنواع المواقف والمطاردات كلّها لمنح مشاهديه تجربة حركة يحبّونها حتمًا: رجلان يهبطان بمظلّة من الطائرة، ويصعق البرق أحدهما في مشهد "لقطة واحدة" رائع حقًا؛ قتال يدوي على النمط الآسيوي؛ مطاردة طويلة جدًا بسيارة ثم بدرّاجة نارية بين البطل والشرطة؛ حصار غير متوقّع أسفل المدينة؛ وصولاً إلى الذروة مع مطاردة طائرات تنتهي على قمة الجبل بين هانت وخصمه.

لهذا "الفيض" من مَشَاهد الحركة المتنوّعة الأثر الأبرز في الاستقبال الحافل للفيلم، وفي تقدير تجربته البصرية التي تعود إلى الجذور.

هنا يأتي الاسم الثاني الذي له فضل النجاح: توم كروز. فرغم ضعف أدائه وانفعالات وجهه (وهو ضعفٌ يتّضح في هذا الجزء بشكل أكبر من أي جزء سابق في السلسلة)، إلا أن كروز منح الفيلم ما هو أكثر بكثير، بقراره (القديم) القاضي بتنفيذ مَشَاهد الحركة كلّها في أفلامه بنفسه، أي من دون "دوبلير"، مهما بلغت خطورتها، حتى لو تعرّض لكسرٍ في قدمه مثلاً، كما حدث في أحد مشاهد القفز من مبنى إلى آخر في هذا الجزء، ما أدّى إلى توقّف التصوير أسابيع عديدة. هذا القرار ليس شكليّا أو نظريًا، كي يقول الممثل في تصريحات صحافية، إنه فعل كذا وكذا، بل هو في صلب التجربة الفنية والبصرية، إذْ لولا استعداد كروز لتأدية مشاهد الحركة بنفسه لباتت مهمة ماك كاري في تنفيذ "الأكشن" بهذا التمهّل والمصداقية والدقّة، وفي ضوء النهار، "مستحيلة" فعليًا.

لذلك، ورغم ضعف أو "تكرار" (كلفظ مخفّف)، قصة الفيلم وحبكته وتطوّره ومفاجآته (المتوقَّعة بشكلٍ أو بآخر)، تمكّن كريستوفر ماك كاري وتوم كروز جعل عملهما المشترك هذا "جيدًا جدًا"، يستحق المشاهدة كأنه آلة زمن تقدّم "الأكشن" بالطريقة القديمة الأكثر مصداقية، كما أنهما جعلاه أفضل فيلم في هذا النوع السينمائي في الأعوام القليلة الفائتة، إلى جانب جزءي "جون ويك" (2014 و2017) لشاد ستاهلسكي (مع الممثلين كيانو ريفيز وإيان ماك شاين).

المساهمون