"كانّ 2018": غياب "نتفليكس"... وعروض الصحافة مؤجّلة

"كانّ 2018": غياب "نتفليكس"... وعروض الصحافة مؤجّلة

23 ابريل 2018
تييري فريمو (الموقع الإلكتروني لمهرجان "كانّ")
+ الخط -
حكايات مهرجان "كانّ" منبثقة من أعمال إدارته، المُشرِفة على اختيار الأفلام، ودعوة الضيوف، وتنظيم العروض، وتحضير المؤتمرات الصحافية، وتشكيل لجان التحكيم، إلخ. الإدارة الأساسية معقودة على الفرنسي تييري فريمو، المندوب العام للمهرجان منذ عام 2007. الإدارة نفسها مسؤولة عن قراراتٍ لن تبقى كلّها داخل المهرجان ودوراته السنوية، إذْ يؤثّر بعضها في الحركة السينمائية، في فرنسا تحديدًا. 

بعض تلك القرارات مستمرّ في إثارة نقاشٍ متنوّع، يبدأ بعلاقة مهرجان "كانّ" بحركة السينما في الصالات الفرنسية. العام الفائت، المحتفل بالدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017)، مُثير لجدلٍ مؤدٍّ، سريعًا، إلى انقلاب المندوب العام على نفسه: اختيار فيلمين لـ"نتفليكس" في المسابقة الرسمية، هما "أوكجا" للكوري الجنوبي بونغ جوون ـ هو، و"حكايات مييروفيتز" للأميركي نواه بومباخ. النزاع مندلع سريعًا بين موزّعي الأفلام وتييري فريمو، إذْ ترفض المنصّة التلفزيونية الأميركية عرض إنتاجها السينمائي في الصالات التجارية كافة، في أنحاء العالم. يتراجع فريمو بفعل ضغط الموزّعين، مُصدرًا قرارًا يقول إن المهرجان السينمائي "لن" يختار أفلامًا "لن" تُعرض في الصالات.

فيلما "نتفليكس" معروضان في تلك الدورة. صيحات الاستهجان لنقّاد وصحافيين سينمائيين، مع ظهور اسم المنصّة على الشاشة الكبيرة في العرضين الصحافيين الأولين للفيلمين، دليلٌ على رأي سلبي لحضور غير مستحبّ لـ"التلفزيون" في أهم مهرجان سينمائي. رأي سلبي يستكمل موقف الموزّعين، ويُشيد ـ ضمنًا ـ بقرار التراجع، إنْ يُمكن إجراء تحليل كهذا، عشية بدء الدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018)، الشاهدة على استمرار النقاش، لأن إدارة المهرجان "مُصرّة" على عدم إشراك أفلام المنصّة في مسابقاتها الرسمية، مع الموافقة على مشاركتها، لكن "خارج المسابقة".

إصرارٌ كهذا جعل "نتفليكس" متشدّدة في علاقتها بالمهرجان. في 23 مارس/ آذار 2018، نشرت مجلة "الفيلم الفرنسي" حوارًا مع تييري فريمو، أكّد فيه، مجدّدًا، قراره الأخير: "كلّ فيلم يرغب صانعوه في التنافس على "السعفة الذهبية" يجب أن يُعرض (لاحقًا) في الصالات الفرنسية". هذا عائدٌ إلى ضغوط هائلة للموزّعين. الصحافي الفرنسي باستيان هوغيل اعتبر، في مقالة له في المجلة الفرنسية "لو بوان" (18 مايو/ أيار 2018)، أن إصرارًا وتشدّدًا كهذين شكّلا "ضربة كالإعصار" على المنصّة الأميركية. تِد ساراندوس، مدير المحتوى في هذه الأخيرة، قرّر مهاجمة المهرجان رفضًا "للتقليل من احترام المنصّة". قال إن "نتفليكس" تريد "مساواتها مع السينمائيين الآخرين" (المجلة السينمائية الأميركية "فارايتي"، 13 أبريل/ نيسان 2018).



النتيجة؟ رفض مهرجان "كانّ" يُقابله رفض "نتفليكس" المشاركة في الدورة الـ71 "خارج المسابقة". هذا سيؤدّي إلى "حرمان" النقّاد والصحافيين السينمائيين من مشاهدة بعض الإنتاجات الأخيرة للمنصّة: "روما" لألفونسو كوارون، وHold The Dark لجيريمي سولينر، وNorway لبول غرينغراس، والوثائقي They’ll Love When I’m Dead لمورغان ميفيل عن السينمائي الأميركي الراحل أورسن ويلز (1915 ـ 1985)، وThe Other Side Of The Wind، روائي طويل غير مُكتمل لويلز نفسه، مُصوَّر بين عامي 1970 و1976، يُصبح جاهزًا للعرض بنسخة كاملة بفضل "استثمار مالي كبير" لـ"نتفليكس".

رغم أن قرار إدارة مهرجان "كانّ" بخصوص العروض التجارية اللاحقة للأفلام المُشاركة في دوراتها السنوية "مهمّ وأساسي ومنطقي وضروري"، إلاّ أن القرار نفسه سيحرم كثيرين من مشاهدة تلك الأفلام، خصوصًا المشروع المنتظر لأورسن ويلز، ما يجعلهم ينتظرون عرضه على شاشة المنصّة. لكن "الحرمان" ـ الذي سيعرفه هؤلاء بخصوص تلك الأفلام ـ لن يكون وحيدًا. ذلك أن قرارًا آخر، يُفترض بتييري فريمو تأكيده قريبًا، سيُشكِّل "حرمانًا ثانيًا" لهم: لن تُعرض أفلام المسابقات للنقّاد والصحافيين السينمائيين أولاً، كالعادة، بل سيشاهدونها بعد "العرض الدولي الأول" أمام الجمهور وصانعيها وضيوف المهرجان.

تقليديًا، تتيح مهرجانات دولية عديدة للنقاد والصحافيين السينمائيين فرصة "المُشاهدة الأولى" للأفلام المختارة لدوراتها السنوية، صباح كل يوم، كي يتمكّنوا من الكتابة والتعليق في وقتٍ مناسب، وكي يُهيّئوا أنفسهم لحوارات مع صنّاعها في مؤتمراتهم الصحافية أو في لقاءات خاصة. في الدورة الـ71 لمهرجان "كانّ"، سيتبدّل الأمر، كما يبدو: هؤلاء يُشاهدون الأفلام في اليوم التالي لعرضها أمام الجمهور وصناعها وضيوفهم.

ليست أسباب التغيير واضحة، أقلّه لغاية الآن. فهل تكون مسألة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، المتوفرة بأشكال مختلفة، أثناء المُشاهدة، عاملاً أساسيّا لـ"قطع الطريق" أمام كلّ رأي "سلبي" يُنشر سريعًا، خلال عرض الفيلم؟ لكن، ماذا لو أن "الرأي" السريع هذا "إيجابيّ"؟ منذ أعوام مديدة، حاول "المكتب الصحافي" الخاص بالمهرجان "فرض" اتفاق أخلاقي بينه وبين صحافيي المواقع الإلكترونية، يقضي بعدم الكتابة عن الفيلم قبل عرضه، مساء اليوم نفسه، أمام الجمهور وصنّاعه وضيوفهم. تُرى، هل فشل الاتفاق مع تزايد وسائل التواصل الاجتماعي؟

هذا ما سيكشفه تييري فريمو قريبًا.

دلالات

المساهمون