مصاعب مهنية في نقد السينما: ترجمةٌ مُعطّلة ولفظٌ مُرتبك

مصاعب مهنية في نقد السينما: ترجمةٌ مُعطّلة ولفظٌ مُرتبك

04 مارس 2020
ايليا سليمان: وهم الجنّة (دانيال فنتوريلّي/وايرإيماج)
+ الخط -
تطرح العناوين الأجنبية للأفلام سؤال الترجمة الأسلم إلى العربية. نقّاد عربٌ عديدون يحتارون إزاء اختيار الترجمة الأنسب والأفضل قبل المُشاهدة، فالمهنة تتطلّب منهم، أحياناً، تقديماً لمهرجانٍ سينمائيّ، تُعرض فيه أفلامٌ كثيرة للمرة الأولى دولياً. الترجمة الحرفية نافعةٌ، وإنْ مؤقّتاً، لكنّها غير صحيحة تماماً بعد المُشاهدة. بعض العناوين مفردات مستلّة من تعابير الشارع أو المحكية محلياً، وهذا يستحيل نقله إلى العربية كما يتطلّب مضمونه ومقصده. غالبية العناوين منبثقة من عمق النصّ السينمائي المتكامل، شكلاً ومضموناً. اللغتان الإنكليزية والفرنسية، الأكثر تداولاً في الدول العربية، تُسهّلان المهمّة غالباً، لكن ماذا عن اللغات الأخرى، وأصعبها تلك المقبلة من دول آسيوية وأفريقية وأوروبية شرقية مثلاً؟

المأزق حاضرٌ أيضاً في أفلامٍ عربيّة، "يُصرّ" مخرجوها على عدم وضع عناوين عربيّة لها، مُكتفين بعناوين أجنبية. مثلٌ حديث: فيلمان جديدان، أوّلهما للفلسطيني إيليا سليمان، وثانيهما للسورية وعد الخطيب. المخرجان يضعان عنوانين إنكليزيين، يحتملان تفسيراتٍ عديدة. إلى الآن، يحتفظ فيلم سليمان بعنوانه الإنكليزي It’s Must Be Heaven، الذي تسهل ترجمته إلى العربية، لكن يصعب كثيراً إيجاد المُعادل العربي لعنوان يليق بالفيلم. وعد الخطيب تؤكّد أنْ لا عنوان عربياً لفيلمها For Sama، الذي يمتلك عربياً أكثر من معنى، وتقول ـ في حوارٍ لي معها ـ إنّ التعبيرين العربيين، "إلى سما" و"من أجل سما"، يختلف أحدهما عن الآخر: "شخصياً، أميل إلى عنوان "إلى سما". أشعر بأنّه أقرب إليّ" ("العربي الجديد"، 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019). يضع إيليا سليمان عنواناً عربياً لـ"منع" ترجمة غير راضٍ عنها. يختار "إنْ شئت كما في السماء"، إذْ يرفض "لا بُدّ أنّها الجنّة". لكنّه يقول إنّه يحكي عن الجنّة غير الموجودة: "الفيلم يحكي عن الوهم الذي يحصل عند أحدنا عندما يصل إلى باريس مثلاً ويرى ما يراه، النساء مثلاً كما في الفيلم، ويقول: "واو، إنّها الجنّة". في اليوم التالي، يستيقظ فيرى الشرطة في كلّ مكان، تلاحق العرب والهنود وغيرهم. هناك خيبة أمل" ("رمان الثقافية"، 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2019).

هذه مشكلة. كتابة العنوان كما يُلفظ بلغته الأصلية، لكن بأحرفٍ عربية، أمر غير سليم، بينما نشر العنوان بلغته الأصلية يُخفِّف قليلاً من عبء الترجمة، مع أنّ شكل المقالة حينها غير جميل. الموزّعون الأوروبيون يمتلكون حقّ تبديل العنوان الأصلي للفيلم بما يتلاءم مع المفهوم التجاري المتحكّم بالسوق. هذا يعني أنْ لا ترجمة، بل عنواناً آخر يرى الموزّعون أنّه يُسهِّل ترويج أفلامهم في هذا البلد أو ذاك، ويُسهِّل عمل النقّاد والصحافيين السينمائيين أيضاً، الذين لن يُمضوا وقتاً في التفكير عن عنوان مناسبٍ لجوهر الفيلم وروحه ومناخه ومساراته. الموزّعون في العالم العربي غير مكترثين بهذه الناحية. يتعاملون مع العنوان الأصلي فقط، خصوصاً أنّ الغالبية الساحقة من الأفلام التي يوزّعونها تكون أميركية أو فرنسية، فالأفلام الأخرى، بالنسبة إليهم، غير تجارية وغير مُربحة، أي إنّها غير "مهمّة".

نادرون هم الزملاء العرب الذين يسألون المخرجين عن المعنى المُراد به في العنوان. هؤلاء ينتقلون من مهرجان إلى آخر، ويتمكّنون من لقاء مخرجين آسيويين وأوروبيين شرقيين واسكندنافيين وغيرهم، فيسألون عن كيفية لفظ أسمائهم وترجمة عناوين أفلامهم. فالترجمة تترافق وكيفية لفظ الاسم، وهذا مأزقٌ آخر يعانيه الناقد والصحافي السينمائي العربي المهتمّ والمكترث. الاستماع إلى لقاءات مبثوثة في مواقع إلكترونية مختلفة يُفيد، فلفظ أسماء العاملين في صناعة السينما يُساعد في كتابتها بشكلٍ صحيح. مع هذا، فالمشكلة تظهر بسبب كثرة الأسماء وندرة التمكّن من التواصل معهم. لكن، ماذا عن العناوين؟

هذه معضلة، ربما يعتبرها البعض عادية، إذْ يملك حلّاً لها، يتمثّل بالسؤال والفرجة. غير أنّ هذا الحلّ غير مُعتَمَد لدى الجميع، ما يطرح ترجمات مختلفة لعنوان واحد وألفاظاً عديدة لاسم واحد.

المساهمون