ذكرى ميلاد: بدر شاكر السيّاب.. مع قرّاء آخرين

ذكرى ميلاد: بدر شاكر السيّاب.. مع قرّاء آخرين

25 ديسمبر 2018
(من تصميم "أنشودة المطر"، طبعة دار "مكتبة الحياة")
+ الخط -

مثّل نصّ بدر شاكر السيّاب (1926 - 1964)، بلا شك، أحد أكثر النصوص الشعرية مقروئية في العالم العربي في القرن العشرين. الشاعر العراقي الذي تمّر اليوم ذكرى ميلاده مثّل ظاهرة على أكثر من صعيد، وإن ركّز النقاد على مسألة شكلية تتعلّق بريادته لما عُرف بالشعر الحر، غير أنه يوجد ما هو أبعد، فالسيّاب أدخل إلى نصّه مؤثرات عدّة، تحوّلت إلى توجّهات عامة في الذائقة الشعرية العربية، أبرزها انفتاحه العميق على الشعر العالمي، ومن ثَمّ توظيفه الموروث الأسطوري، ولكنه أيضاً كان قد حوّل عناصر من بيئته إلى أساطير في الشعر، كما فعل مع قريته جيكور ونهرها بويب.

وعلى أصعدة أخرى، جعل من القصيدة بناءات سردية مركّبة كما في "حفّار القبور" و"المومس العمياء"، وإن لم يتخلّص في هذه الأعمال التي نُشرت في النصف الأول من الخمسينيات من النبرة الرومانسية الطاغية على الشعر العربي وقتها.

لكن السيّاب بدا أنه قد عثر على صوته منذ أن جعل من حياته ثيمة للسرد، تمرّ عبد قصائد متعدّدة الأصوات والمناخات تتوسّل بآلهة السومريّين القدامى، وتهضم أحداث الراهن السياسي في العراق وما حوله. كان يكتب عن غرامياته الصغيرة، ويُأسطرها بالمناسبة، ويكتب عن أمراضه، فيجعل من آلامه صلة وصل مع الأنبياء. رغم كل ذلك، يصعب أن نجد قصائد شعرية كانت حريصة على أن تكون مخلصة للواقع مثل قصائد السياب.

حين اكتمل نضجه الشعري بنهاية الخمسينيات، خصوصاً مع صدور مجموعته "أنشودة المطر" في 1960، كان السياب قد دخل مرحلة التدهور الصحي. ما تبقى من أعماله كان أشبه بمرثية مطوّلة زخرت بالذكريات والمعاتبات وتشعبّت بالأساطير وتأمّلات الحياة.

حتى نهاية القرن الذي عاش فيه، كان السيّاب أحد أكثر الأسماء العربية حضوراً في دائرة النقد، لكن هذا الوهج خفت بدخول القرن الجديد، وكأن المسافات قد تقطّعت بالقارئ مع نصوصه.

صدرت أعماله الشعرية الكاملة في أكثر من طبعة، وأضيفت لها مجموعة من قصائده سمّيت بالبواكير. لا شيء تغيّر، نقّاد من جيله أو من الجيل الذي يليه ظلّوا يقرؤونه كما قرؤوه دائماً، بين موازاة شعره بمسارات حياته، والعودة إلى مسألة الريادة في الشعر، وقارئ حديث يريد أن يقفز على كل هذه المدوّنة، ولكنه لا يعثر في السيّاب عمّا يطرب ذائقته الجديدة.

هذه المسائل ربما آن أوان دراستها بعيداً عن النصوص، من خلال منهجيات علوم حديثة مثل سوسيولوجيا الأدب أو دراسات التلقّي، خصوصاً وأن السيّاب لا يمثل حالة وحيدة في تقلّبات القراءة العربية.

المساهمون