عبد الرحمن الكواكبي.. ماذا تغيّر في حلب؟

عبد الرحمن الكواكبي.. ماذا تغيّر في حلب؟

09 يوليو 2019
(بورتريه للكواكبي من فيلم وثائقي لـ إيهاب الخمايسة)
+ الخط -

كان صدور الأعمال الكاملة لـ عبد الرحمان الكواكبي (1855 - 1902)، في مجلّد عن "مركز دراسات الوحدة العربية" (1995) بتحقيق محمد جمال طحّان، مناسبة كي يلمس القارئ العربي المساحة الفكرية التي كان يغطّيها الكواكبي، وهو الذي طالما جرى اختزاله في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد".

لعّل لهذا الاختزال مشروعيّته على خلفية تأثير كتاب "طبائع الاستبداد" في استنهاض الهمم في الفترة الأولى لانتصاب الأنظمة الاستعمارية في البلاد العربية، وكونه إلى ذلك أحد أهم الكتب العربية - على المستويين الفكري والسياسي - في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى أنه يمكن القول بأنه أحد أبرز تجليات عصر النهضة العربية.

حظي العمل لاحقاً بطبعات عديدة، وقُرأ ضمن سياقات مختلفة، خصوصاً مع الحركات التحررية العربية في منتصف القرن العشرين، وأيضاً ضمن النضال المدني ضد الديكتاتوريات التي ابتليت بها البلدان العربية لعقود، وصولاً إلى أحداث "الربيع العربي"، والحراكين الجزائري والسوداني حالياً، ليبقى العمل مع كل هذه المسافة الزمنية حاملاً لراهنية قلّما عرفتها مؤلفات أخرى من القرن التاسع عشر.

وحتى خارج الفضاء الثقافي العربي، ظهر اعتراف بأهمية كتاب "طبائع الاستبداد" خصوصاً مع تعدّد ترجماته، فمثلاً حظي بترجمتين ما بعد 2011 إلى الفرنسية، وجرت مقارنته بأكثر الكتب الداعية للتحرّر في الثقافة الفرنسية مثل "العبودية المختارة" لـ دي لا بويسيه (القرن السادس عشر)، و"أصل التفاوت بين البشر" لـ جان جاك روسو (القرن السابع عشر).

رغم كل ذلك، لا يمكن الاقتصار على هذا الكتب، لكون صورة الكواكبي - الذي تمرّ اليوم ذكرى ميلاده - مكتملة في الأذهان، بل إنه لا يمكن الاعتماد على المؤلفات وحدها لصياغة هذه الصورة، حيث أن عملاً بيوغرافياً موسّعاً ينبغي أن يتصدّى له المؤرخون خصوصاً وأن الكواكبي لم يكن ذلك المؤلّف الذي ينزوي في مكتبه ينظّر ويدوّن ملاحظاته بل كان مشتبكاً مع الحياة العامة وهو الذي تعرّض للنفي والسجن، فكانت كتاباته التأليفية والصحافية خلاصة تجربة حيّة.

استذكار الكواكبي في ذكرى ميلاده هو أيضاً مناسبة لمقارنة حال مسقط رأسه حلب بين زمنين، حيث فارقها الكواكبي في العقد الأخير من القرن التاسع عشر بسبب تضييقات السلطة العثمانية عليه. وهاهي نفس المدينة تعيش فراق أهليها مرّة أخرى، بسبب الحرب والتدمير، وفي كلا الحالتين يقف الاستبداد في خلفية المشهد.

المساهمون