ما بعد المصالحة الفلسطينية

ما بعد المصالحة الفلسطينية

07 أكتوبر 2017
+ الخط -
في غضون الحديث عن المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس؛ التنظيمين الأبرز على الساحة الفلسطينية، تشتدّ المنافسة بينهما على استعادة الثقة الإقليمية والدولية، استعدادًا لمرحلة ما بعد المصالحة، حيث يعي الطرفان أن "السلطة"، من دون دعم إقليمي ودولي، باتت عبئًا حقيقيًا. في قطاع غزة، تمضي الأزمة الإنسانية بدقّ ناقوس الخطر على انفجار محتمل في ظل ارتفاع مستوى المعاناة الإنسانية إلى أعلى مستوياته منذ الانقسام، والتنافس في أشدّه بين المنظمات الدولية في الآونة الأخيرة بشأن عرض تقارير لمعدلات البطالة والفقر وأزمتي الكهرباء والمياه. ومن جهة أخرى، بات الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يرى في التحولات الإقليمية والدولية منذ مجيء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ضربة جديدة له، وبيئة خصبة لمنافسه وخصمه، القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان.
ومن هنا، يرى الفلسطينيون أنه رغمًا عن فقدان الثقة؛ بالمصالحة الفلسطينية وتراجعها تجاه التنظيمات والقيادات الفلسطينية، وصعوبة تحقيق حلّ يضمن لهم كرامتهم، في ظلّ عدم تبدّل الإرادة الإقليمية والدولية وتزايد انتهاكات الاحتلال اليومية، إلا أن بصيص أملٍ ولو كان مؤقتًا فإنه يخرجهم من حالة الشقاء والإرهاق الاقتصادي والاجتماعي الذي قد يكون أقل ضررًا من استنزاف طاقاتهم في ظلّ الانقسام. لكنّ مقايضة الفلسطينيين هنا بمعدل جولةٍ من المصالحة كل عامين خلال أحد عشر عامًا من الانقسام، بضياع حقوقهم في قضيةٍ طالما ضحوا من أجلها، من أجل أن تكسب القاهرة الرضى من حلفائها الإقليميين والإسرائيليين والأميركان، يصبح الظلم الواقع أشدّ أثرًا على الفلسطينيين.
لا يمكن لأيّ فلسطيني أو عربي أو مؤمن بعدالة القضية أنّ يكون ضد المصالحة الفلسطينية، إلا أن التوافق من دون محاسبة التنظيمات والجمعيات والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية والأهلية التي؛ إما أخّرت أو أسهمت في تعطيل المصالحة طوال هذه المدة ظلم غير مقبول، ولا شك أيضًا، أنّ المصالحة تمرّ بتعقيدات داخلية عديدة مرتبطة بقضايا خلافية، أوقفت تنفيذها سابقًا، لكن مرور المصالحة من دون الحديث عن المصالحة المجتمعية يعني البقاء مُجددًا في مُربع التوافق القيادي، واستثناء الفلسطينيين الذين دفعوا ثمن الانقسام. ومن هنا، فإنّ تصفية الحقوق الفلسطينية ثمنا دفعه الفلسطينيون في كل أماكن وجودهم منذ توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993، والذي تعمّق مع الانقسام الفلسطيني، لا بدّ أن يكون على أجندة المصالحة الفلسطينية واستغلال هذا التوافق من أجل العودة إلى المربع الذي يقضي باستعادة المطالبة بالحقوق، إن رغبت الفصائل الفلسطينية استعادة مكانتها لدى الشارع الفلسطيني.
بغضّ النظر عن شروط الاتفاق الذي جرى بين حركتي فتح وحماس، وعدم التوافق على القضايا الخلافية؛ كالأمن الداخلي والموظفين والكهرباء وعدم تراجع الرئيس الفلسطيني وحكومته عن العقوبات التي صدرت بحقّ الغزيّين، إلا أننا بتنا أمام حصار لنضال الشعب الفلسطيني، أطرافه؛ مصر وإسرائيل والسلطة، تتمحور مهمته في الضغط على "حماس" من أجل تسليم سلاح المقاومة والاعتراف بإسرائيل، مقابل الحصول على تسهيلات اقتصادية وفتح المعابر والسيطرة الأمنية في شبه جزيرة سيناء، وفي ذلك تجريمٌ لكفاح الفلسطينيين وتحويل مقاومتهم إلى مقاومة فردية، كما هو حاصل في القدس والضفة الغربية، وضمان تسيير أيّ مشروع تسوية قائم على حكم ذاتي أو خلافه.
يبقى العامل المصري الأهمّ في هذه المصالحة، وإن شكلت التحولات الإقليمية دافعًا قويًا له، من أجل الدفع بالمصالحة الفلسطينية، إلا أنّ توقيع طرفي الانقسام على مضض يضمن للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التحكم بمفاصل المشهد الداخلي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكما لا يعني أنّ الاتفاق برعاية مصرية يضمن محافظة الفلسطينيين على حقوقهم، أو الدفع بالمشروع الوطني الفلسطيني مجددًا، فالقاهرة لم تُغيّر موقفها من حركة حماس، ولا من الرئيس الفلسطيني.
في كل الأحوال، يرتبط صمود المصالحة الفلسطينية باستعادة القوى والتيارات الشعبية وجودها في الساحة الفلسطينية، ليس من أجل التهليل والاحتفال بالمصالحة، إنما لنقد (ونقض) أيّ محاولة يتمّ استدراج الفصائل الفلسطينية فيها إلى التخلي عن حقّ المقاومة المكفول والمشروع والواجب على المؤمنين بحقّ الفلسطينيين بالحرية. مقاومة مشروع تجريم نضال الفلسطينيين لا يكون فقط ضد إسرائيل، بل ضدّ القيادات الفلسطينية والعربية التي تسعى إلى إفساد القوى المناضلة، وإنهاك الشعب وتطويقه بمزيد من الصعوبات الاقتصادية، في سبيل تضييق الأفق على استعادة المطالبة بالحق الفلسطيني بالتحرّر.