كتب المغامرات في الأدب العربي المعاصر

كتب المغامرات في الأدب العربي المعاصر

08 نوفمبر 2015
Getty
+ الخط -
معظم الكُتّاب والمثقفين شُغفوا، في بداياتهم التكوينية الأولى، بكتب المغامرات المثيرة والروايات المسلية مثل قصص "ألف ليلة وليلة". وكان للأديب المصري كامل كيلاني شأن كبير في تنمية الذائقة الأدبية لدى جيل من الناشئة من خلال كتبه الكثيرة ولا سيما كتابه "رحلات السندباد البحري". وتعلق فتيان الأربعينيات والخمسينيات بمغامرات الأبطال الشعبيين أمثال الزير سالم وأبو زيد الهلالي ودياب بن غانم وعنترة بن شداد وعلي الزيبق وسيف بن ذي يزن، وبقصصهم الغرامية العفيفة أحياناً، واللاهبة أحياناً أخرى. واليوم تثير الرواية البوليسية التاريخية غيظ الروائيين في العالم كله؛ فرواية "شيفرة دافنشي" لدان براون التي تتخذ من التاريخ السري لبعض العقائد الغنوصية ميداناً لها، هي رواية بوليسية تماماً، لكنها غزت العالم قاطبة، وبيع منها نحو مئة مليون نسخة. واستفادت الرواية العربية الحديثة من بعض أنماط التشويق في الرواية البوليسية، ومثال ذلك رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ التي نسجت على ذلك المنوال إلى حد بعيد.

كتب المغامرات
تشتبك كتب المغامرات بالسيرة الذاتية اشتباكاً عضوياً. وعلى سبيل المثال نشر حافظ نجيب اعترافاته منذ زمن طويل، ولم يثر انتباه النقاد إلا القليل منهم. وحافظ نجيب نصاب ومحتال وسجين وصعلوك وراهب. وهو، إلى ذلك، شاعر ومثقف ومتفلسف فصيح اللسان وصاحب نوادر جمعها جورج طنوس في كتاب عنوانه "الراهب المسلم" (1910). وفي سنة 1912 أصدرت دار المعارف في القاهرة كتابين: الأول هو "روح الاعتدال" نسبته المترجمة وسيلة محمد إلى الفيلسوف شارل وانير، والثاني هو "غاية الإنسان" الذي نسبته وسيلة محمد إلى الفيلسوف جان فينوت. وتبين لاحقاً أن المؤلف هو حافظ نجيب الذي كان قد سمى نفسه الشيخ عبد الله المنوفي، وكانت الشرطة البريطانية تطارده، فآثر عدم وضع اسمه على الكتابين. أما وسيلة محمد فهي امرأة لا تفقه في الترجمة، بل كانت ترعاه في أثناء مرضه وتزوجها بعد ذلك.

من كتب المغامرات المثيرة كتاب "المهرب الكبير"، وهو عبارة عن مذكرات سامي الخوري أحد أبطال تهريب المخدرات في لبنان. وهذه المذكرات تميط اللثام بجلاء عن الحياة المكشوفة والسرية للبرجوازية اللبنانية المهووسة بجمع المال من أي مصدر.

ثمة كتاب بعنوان "كيف قتلت الملك فاروق؟"،وهو اعترافات لإبراهيم البغدادي باح بها للصحافي المصري محمود فوزي، وفيها يروي مغامرات مثيرة تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب، فيشير، من دون تصريح، إلى أنه دفع مليون دولار لإحدى عشيقات الملك فاروق كي تدس له سم الأكونتين في كأس الشمبانيا. ومع أن الكتاب لا يجزم بمن قتل الملك فاروق (هذا إذا كان صحيحاً أنه مات بسم الأكونتين)، فهو، في النهاية، سيرة ذاتية لصاحبها إبراهيم البغدادي.

صعاليك وملاعين
من أشهر الكتاب الصعاليك العرب في العصر الحديث يونس بحري، وهو عراقي من عشيرة الجبور المعروفة. وهذا الصعلوك الذي اسمى نفسه يونس بحري على غرار السندباد البحري، مات مفلساً في بغداد سنة 1979 بعدما كان رئيساً للقسم العربي في إذاعة برلين خلال الحرب العالمية الثانية، وكان يقدم برنامجاً مشهوراً جداً هو "هنا برلين حي العرب". وبعد سقوط برلين سنة 1945 فر إلى فرنسا عبر الخطوط العسكرية البريطانية ما أثار الشبهة في عمالته للبريطانيين. عمل إماماً لأحد المساجد نهاراً، فيما كان يختلف إلى ملهى "الجزائر" ليلاً ليعمل طبالاً وعازفاً على الرق. وليونس بحري نحو عشرين كتاباً في المغامرات التي تختلط فيها الحقيقة بالخيال بالأكاذيب أيما اختلاط، لكن مع كثير من الطرائف المسلية.

هذه عينة من كتب المغامرات ذات الطابع البوليسي، والتي تروي، في ما تروي من حوادث ووقائع، سيرة الراوي نفسه. وحتى اليوم ما فتئت كتب المغامرات غير معترف بها كصنف من صنوف الأدب العربي الحديث. ولم لا؟ لعل كتب الإثارة والتشويق تسهم، ولو قليلاً، في إعادة الخلجات إلى القراءة كما فعلت الروايات البوليسية وكتب المغامرات منذ مئة سنة تقريباً.

(كاتب عربي مقيم في بيروت)

المساهمون