نبوءة موت الكتاب المطبوع

نبوءة موت الكتاب المطبوع

23 نوفمبر 2014
+ الخط -
كلا لم يمت. أم علينا أن نقول: "لم يمت بعد"؟ أم لعله سيقاوم ولن يموت أبدا؟ الإجابة الأكثر دقة عن مثل هذه الأسئلة التي حامت في السنوات الأخيرة حول مصير الكتاب المطبوع، هي أن لا أحد بإمكانه حقا تقديم إجابة دقيقة! كلما أكد المتحمسون للكتاب الإلكتروني أن شبح الموت المحقق يحوم حول الكتاب الورقي، وأن الكتاب الإلكتروني E-book يكتسح ساحة الكتب والكتابة وسوقهما، جاءت وقائع "صمود" الكتاب التقليدي لتنقض توقعاتهم.

وكلما أكد المتفائلون أن الكتاب بصيغته التاريخية والمعتقة مستديم وغير مهدد، جاءت وقائع أخرى تهز قناعاتهم وتبعث فيهم الخوف مجددا. الشواهد من المجالات الأخرى قد لا تساعد كثيرا على حسم نبوءة المتنبئين بأن نهاية الكتاب الورقي هي الاختفاء، وأن كرسي الولاية ينتقل إلى شقيقه اللدود الإلكتروني.

مثلا، كثيرون تنبأوا بنهاية الراديو مع الصعود المدهش للتلفزيون، لكنه صمد حتى الآن بل وترسخ. وكثيرون تنبأوا أيضا بنهاية التلفزيون نفسه أو ضعفه مع انفجار الثورة التكنولوجية في عالم الإنترنت والإعلام. لكن ذلك لم يحدث. ثم والأكثر قربا من حالة الكتاب هو تراكم نبوءات انتهاء الصحافة المطبوعة، وهي نبوءات يقترب عمرها من العقدين. الشواهد محيرة: بعض الصحف والمجلات ضعف أو اختفى في عهد الإعلام الإنترنتي، بيد أن بعضها الآخر قوي واستمر. نصف تلك النبوءة بدا كأنه تحقق، ونصفها الآخر بدا كأنه مات ذاته في ما لم يمت المُتنبأ بموته!

بعض الأرقام والإحصاءات الحديثة، التي نشرتها مؤسسات مختصة في متابعة "مصائر الكتب"، ورقيّها وإلكترونيّها، تقدم الدليل وعكسه.

مؤخراً، على سبيل المثال، أصدرت شركة كتب نيلسون وكونزيومر (المستهلك) أرقام مبيعات تظهر تفوق الكتاب الورقي على نظيره الإلكتروني. فوفقاً لإحصاءات نيلسون، شكلت مبيعات الكتاب الإلكتروني 23% فقط خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام. بينما حققت الكتب المطبوعة (سواء بأغلفة ورقية أم بأغلفة مقواة) نسبة 67%.

وهذا يشكل ومن دون شك انتصارا (ولو مؤقتا) للكتاب الورقي ويشكك في كل التقديرات الأولية والمتسرعة، التي تنبأت باختفائه السريع. تقول الأرقام كذلك إن البريطانيين أنفقوا في العام الماضي 3.3 مليار جنيه استرليني على الكتب المطبوعة، وهو ما دفع رئيس رابطة الناشرين البريطانيين إلى القول إن قطاع النشر في بريطانيا في حالة جيدة.

لكن هذه الأرقام لا تقدم الطمأنينة الكافية لأنصار ومحبي الكتاب التقليدي. فإذا عدنا قليلا إلى الوراء نجد أن مبيعات الكتاب الإلكتروني حافظت على منحى صاعد منذ إطلاق كيندل في عام 2007، ووصلت إلى مستويات قياسية في فترات لاحقة. على ذلك يبدو أن نتيجة المعركة حتى الآن تشي بالتعادل، وهو ما تخلص إليه تقديرات شركة نيلسون أيضا.

لكن السؤال الصعب الذي يقلق محبي الكتاب بثوبه الكلاسيكي الحميم وصفحاته، التي تُقلب وتخلق علاقة من نوع خاص مع القارىء متعلق بالفجوة بين الأجيال. هل يختفي الكتاب الورقي مع الزمن ومع بروز أجيال شابة لا تعرف سوى عالم الإنترنت وما ينتجه؟

المساهمون