بين الديني والثقافي

بين الديني والثقافي

09 اغسطس 2015
مالد بن نبي (صورة من الانترنت)
+ الخط -
في كتابه "مشكلة الثقافة" يُعرِّف مالك بن نبي الثقافة بأنها "حياة المجتمع التي بدونها يصبح مجتمعاً ميتاً"، فهو يعتبر أن الثقافة تعبير سلوكي حسي عن ذلك الرابط الذي يربط الفرد بالمجال الروحي من خلال عالمه الذي يعيشه، ولهذا فإننا عندما نريد أن نسبر العلاقة بين الثقافة والأديان فإننا نتتبع تلك الروابط الروحية التي يؤسسها الفرد في مجتمعه.

غير أن التطور المتسارع للأمم ونشوء العولمة، أصبح ينظم ويدفع مكونات العلاقة بين الثقافي والديني، لا سيما إزالة الصفة الإقليمية، ليبدأ بعدٌ مهمٌ هنا، وهو التفريق المستمر بين الأديان والأقاليم والمجتمعات والدول، مما جعل الحياة المجتمعية تصنف حسب فئات الديني، والاجتماعي، والاقتصادي، وهكذا سنجد أن هذه الفئات تحاول الاستقلال بنفسها حتى غدت متفردة بفكرها وذات مكونات وأنساق خاصة.

وبفضل العولمة والانفتاح على العوالم الأخرى فإن الهجرة أصبحت عاملاً رئيساً في الاندماج مع المجموعات المجتمعية الأخرى التي تتمايز عنا (نحن) بالدين والفكر والعرق... وهكذا تأسست مجموعات متنوعة على المستوى الثقافي العام على درجات متفاوتة تترواح بين الاندماج الكلي والاندماج الجزئي، حتى لنجد عدد المجموعات الإثنو- ثقافية يتجاوز عددها بشكل كبير عدد الدول والأمم على مستوى العالم، ولهذا فإن العلاقة بين الديني والثقافي بالمعنى الخاص لهما، أصبحت متذبذبة بين (الملتزم)، و(المنفتح) - إن صح هذا التمييز - على الرغم من وجود وشيوع "التعدد الثقافي" الكبير الذي يعترف بتعدد المجموعات الإثنوـ ثقافية، إلا أن التصنيفات المتعددة، بين الديني، والثقافي، والاجتماعي كانت سبباً رئيساً في تذبذب هذه العلاقة.

ولعل ما ذهب إليه أوليفيه روا في كتابه "الجهل المقدس: زمن دين بلا ثقافة"، عندما عنون أحد فصول كتابه بـ "الثقافة والدين: القطيعة" هو شاهد من شواهد المغالاة في إبراز تذبذب هذه العلاقة، فعلى الرغم من أن روا بدأ فصله هذا بتلك العلاقة الوثيقة بين الثقافي والديني باعتبار أن الديني ثقافة؛ لأنه معاش بوصفه ثقافة، إلا أنه سيقرر لاحقاً، أن المجتمعات التي تبتغي أن تكون دينية في المقام الأول تقرر تقليص الهوامش والانحرافات، فهي إذاً محكومة بعدم استقرار دائم، ثم سنجد أنه سيقارن بين مجتمع ديني ومجتمع معلمن - من العلمانية- بما سماه "المؤمنين وغير المؤمنين" - يقصد هنا الإيمان بفكر ما بعيداً عن ديانة معينة، وهي مقارنة ستفضي إلى (طلاق وانفكاك) بحسب تعبير روا،- عندما لا يجد المؤمنون وغير المؤمنين أنفسهم في حالة ضبط تناسق الحركة، أي في حالة احترام القيم التطبيقية نفسها، وإن كانت مبررة بطرق مختلفة، وهكذا ستكون نهاية انعزال (المؤمنين) الانسحاب من الثقافة، عندما لا يعودون يعرفون أنفسهم في الثقافة المحيطة، وعندما تُنكر تلك الثقافة معرفتها بالديني.

لهذا فإن الوعي بعلاقة الديني بالثقافي وعي مضطرب، من حيث قدرة الفرد وبالتالي، لا يقدر المجتمع على تشكيل خطاب واحد تحت مسمى "الثقافي"، أو تشكيل مجموعة من الخطابات تحت مسميات متعددة كـ (التراث)، و(الحداثة)، و(الهوية)، و(القومية)، وهي خطابات تُنشئ منظومة من التشاكل بين (الاختلاف) و(التنوع)، وهذا ما يجعل الثقافي مشتت ومتوزع بين مفاهيم وأنساق تلك المسميات والتصنيفات.

ولأن المثقفين بطبيعتهم متعددو الثقافة، فإنهم - كما يصفهم جيرار ليكلرك في "العولمة الثقافية"-عملاء التغريب الطبيعيون، عملاء العولمة، وكونية القيم، إنهم من يحمل الكوني والقيم العابرة للتاريخ وللأمم، ولذلك فهم غالباً ما يدخلون في صراع مع العوامل ومع عناصر الجماعات صاحبة الخصوصية، أو مع (الأديان)؛ تلك الأنظمة القيمية ذات التطلعات الكونية، ولهذا فإنه من الطبيعي جداً، أن نجد هذا الصراع ونسميه الحوار والنقاش بين الثقافي والديني، فلكل منهما خصوصيته وإن كان الديني هو ثقافة، وإن كانت الثقافة تحمل فكراً دينياً له خصوصيته.

(كاتبة عُمانية)

دلالات

المساهمون