روسيا تشهر ورقة تقسيم سورية: الضربة الثلاثية قتلت "جنيف"

روسيا تشهر ورقة تقسيم سورية: الضربة الثلاثية قتلت "جنيف"

21 ابريل 2018
تسيطر قوات النظام وأخرى روسية على دوما(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أسبوع على الضربة الثلاثية التي وجّهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للنظام السوري رداً على الهجوم الكيميائي على مدينة دوما، برزت تساؤلات روسية يرى كثيرون أنها مريبة حول "إمكان بقاء سورية دولة واحدة"، وكأن موسكو بذلك تشهر ورقة تقسيم سورية بشكل ربما يبدو بريئاً، لكنه قد لا يكون كذلك، في ظل الحديث عن احتمال عودة للمفاوضات السياسية التي يسعى الكرملين إلى دفنها مع مسار جنيف. ويتزامن ذلك مع استمرار منع موسكو والنظام السوري، فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من الوصول إلى مكان الهجوم الكيميائي على دوما، بحججٍ أمنية، والادعاء بأن خبراء المنظمة لم يصلوا إلى دوما "بسبب قصف المسلحين"، وهو ما يناقض المشهد على الأرض، فمسلحو المعارضة خرجوا من المدينة قبل نحو 10 أيام، كما أن صحافيين روساً وآخرين موالين للنظام يعملون من داخل دوما منذ أيام من دون أن يتعرضوا لأي أذى، وهو أمر قد يؤكد الاتهامات الغربية لروسيا والنظام بالسعي لـ"تطهير" موقع الهجوم في دوما من الأدلة قبل السماح للمحققين الدوليين بالوصول إليه.

وفي وقت عادت فيه الدعوات لحل سياسي للصراع السوري، برز كلام نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف الذي قال إن موسكو  لا تعلم كيف سيتطور الوضع في سورية في ما يتعلق بالحفاظ على وحدة أراضيها. ونسبت وكالة "انترفاكس" لريابكوف قوله: "لا نعرف كيف سيتطور الوضع في ما يتعلق بمسألة إن كان من الممكن أن تبقى سورية دولة واحدة". وقد تكون النتيجة المنطقية لهذا الكلام، أن يصبح موضوع تقسيم سورية مطروحاً بقوة في الإعلام وفي السجال السياسي المرتبط بالملف السوري، ليصبح الأمر "عادياً" ويتسلل بعدها كبند صالح للنقاش.

وفي السياق نفسه، حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من "وجود محاولات تهدف إلى تدمير سورية وتقسيمها وإبقاء تواجد قوات أجنبية في أراضيها إلى الأبد"، معلناً رفض موسكو لها. وذكر لافروف، أثناء مؤتمر صحافي أمس في موسكو مع نظيرته النمساوية كارين كنايسل، أن هذه المحاولات التي تأتي في إطار "الهندسة الجيوسياسية" تخالف الاتفاقات الدولية بخصوص تسوية الأزمة السورية، مؤكداً ضرورة حل الأزمة على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي وضمن إطار العملية السياسية التي يقودها السوريون. وطالب الولايات المتحدة، رداً على اتهاماتها الموجهة إلى موسكو والنظام السوري بإعاقة وصول خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى موقع هجوم دوما، بتقديم الأدلة التي تتحدث عنها، مشيراً إلى أن واشنطن وباريس لم ترسلا خبراءهما إلى دوما على الرغم من موافقة موسكو على ذلك، مضيفاً "من الواضح للجميع من يحاول منع دخول خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى مدينة دوما، ولا يجب تشويه الحقيقة".

ولوّح وزير الخارجية الروسي بتسليم أنظمة "إس-300" الصاروخية المضادة للطائرات لنظام بشار الأسد، بعد الضربة الثلاثية. ومضى قائلاً: "الآن ليس لدينا أي التزامات أخلاقية. كانت لدينا التزامات أخلاقية وتعهدنا بألا نفعل ذلك منذ عشر سنوات على ما أعتقد بناء على طلب من شركائنا المعروفين". وكشف أنه قبل الضربات على أهداف سورية أبلغت موسكو مسؤولين أميركيين بالمناطق السورية التي تمثّل "خطوطاً حمراء" بالنسبة لروسيا، معلناً أن الجيش الأميركي لم يتجاوز هذه الخطوط. وأوضح لافروف أنه على قناعة أيضاً بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب لن يسمحا بمواجهة مسلحة بين البلدين. وذكر الوزير أنه لم يسمع عن مبادرة نمساوية للتوسط بين روسيا والغرب في الملف السوري، مضيفاً أن الوساطة الوحيدة التي تحتاج إليها سورية هي بين جميع أطراف الأزمة لإقناعها بالجلوس حول طاولة المفاوضات على أساس المبادئ المنسقة وإطلاق حوار مباشر، كما ينص عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.


في السياق، وبعد لقائه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في موسكو أمس، اعتبر لافروف أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا "لم تقصف سورية فحسب، بل ومفاوضات جنيف أيضاً"، مؤكداً أن لدى موسكو والأمم المتحدة فهم حول كيفية تجاوز الوضع الصعب الحالي في سورية. من جهته، اعتبر دي ميستورا، أن التصعيد العسكري الأخير في سورية، المتمثل بالضربات الأميركية-الفرنسية-البريطانية ضد أهداف تابعة للنظام، "غير مفيد للمسار السياسي السوري"، مضيفاً أن "آليات خفض التصعيد في سورية لا تزال تعمل".

كذلك، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال لقائه في موسكو أمس مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، إن الضربات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة في سورية أضرت بعملية السلام. واعتبر أن وقت تنفيذ الضربات الجوية التي وقعت مطلع الأسبوع كان الأسوأ على الإطلاق.

أما على الأرض وبعد أسبوعين من الهجوم الكيميائي على دوما، لم يستطع محققو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الوصول إلى مكان الهجوم، وسط تحجج موسكو بخطر المسلحين. ووردت صباح أمس معلومات عن دخول سيارة لفريق المحققين إلى المدينة، قبل أن يتم التوضيح لاحقاً أن مركبة تستخدم لوحة معدنية من النوع الذي تستخدمه منظمات دولية كانت في منطقة قريبة من موقع الهجوم الكيميائي في دوما ترافقها الشرطة العسكرية الروسية، بحسب وكالة "رويترز". ولم تسمح قوات النظام السوري للصحافيين بالاقتراب من القافلة التي شملت المركبة. وكان فريق تقصي الحقائق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وصل السبت إلى دمشق، وينتظر منذ ذلك الحين زيارة دوما لبدء عمله الميداني. وعرض النظام على الفريق مقابلة "22 شاهد عيان يمكن إحضارهم إلى دمشق"، وفق ما أعلنت المنظمة.

وتحجّجت موسكو بوجود مسلحين في المدينة، وقال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، أمس إن "خبراء المنظمة لم يصلوا إلى دوما حتى الآن بسبب قصف المسلحين". وادعى أن عسكريين روسا يجرون مفاوضات مكثفة مع المسلحين لضمان وصول الخبراء إلى المدينة. وحول الضربة الثلاثية، قال بوغدانوف إنها أساءت للعملية السياسة، لكنه شدد على أن هذه العملية لا بديل عنها، معتبراً أن المفاوضات حول التسوية في سورية مستحيلة من دون مشاركة موسكو والنظام السوري، معرباً عن أمل روسيا في أن تجري الجولة الجديدة للمفاوضات السورية في جنيف في أسرع وقت ممكن. وعن احتمال توريد منظومات "إس-300" الروسية لنظام الأسد، قال المبعوث الروسي: "إنه موضوع يتم النظر فيه دائماً ومنذ زمن طويل، لكننا تلقينا طلبات بعدم الإقدام على هذه الخطوة. أما بعد أن بدأوا في توجيه ضربات إلى سورية فيتضح أن المنطق هو أن الضرب سيستمر دون أي مبرر، لكن يجب أن يتمكن السوريون من الدفاع عن سيادة بلادهم وسلامة أراضيهم".

غير أن تبرير روسيا لمنع وصول فريق تقصي الحقائق إلى دوما بوجود مسلحين، يثير تشكيكاً كبيراً، وهو ما أشار إليه متحدث باسم الخارجية الألمانية أمس، إذ قال إن تمكّن صحافيين روساً من زيارة مواقع في سورية لم يستطع مفتشو الأسلحة الكيميائية دخولها يثير تساؤلات. كما كانت الولايات المتحدة قالت الخميس إن لديها معلومات موثوقة تشير إلى أن روسيا ونظام الأسد يحاولان "تطهير" موقع الهجوم في دوما. ويشدد خبراء على ضرورة وصول الفريق إلى مكان الحادث في أسرع وقت ممكن، خصوصاً أن هناك تأخيراً يتخطى كثيراً ما تحدده قواعد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أي بين 24 إلى 48 ساعة.