العراق: تهم الانتقائية والانصياع لـ"الحشد" تلاحق قرارات عبد المهدي

العراق: تهم الانتقائية والانصياع لـ"الحشد" تلاحق قرارات عبد المهدي

30 سبتمبر 2019
ارتباك عبد المهدي جلب له انتقادات (عبدالحميد حوسباس/ الأناضول)
+ الخط -
يواجه رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، انتقادات حادة من كتل سياسية وبرلمانيين فضلا عن مواطنين، بسبب ما يصفونه تباينا في قراراته، وخضوعه لإملاءات وضغوط قوى سياسية مقربة من إيران، تسببت في الأشهر الثلاثة الأخيرة بإلغاء عدة قرارات له، واتخاذ أخرى اعتبرت غير مبررة.

عبد المهدي، الذي يصادف الأسبوع المقبل إكمال عام على تسلمه رئاسة الحكومة بنسختها السادسة منذ الغزو الأميركي ــ البريطاني للبلاد عام 2003، كان قد ألغى بشكل مفاجئ مؤتمراته الصحافية الأسبوعية، وهو التقليد الذي دأب عليه رؤساء الحكومات السابقين في خطوة اعتبرت لتفادي أسئلة الصحافيين المحرجة، خاصة بعد سلسلة الهجمات التي طاولت معسكرات "الحشد الشعبي" في البلاد، ووجهت اتهامات لدولة الاحتلال الإسرائيلي بالوقوف وراءها.
وكان قد دافع في وقت سابق عن كثير من قراراته، قائلا إنها مبنية على دراسات وتقييميات للواقع وليس بفعل ضغوط سياسية.
وشهدت القرارات الأمنية منها على وجه التحديد، التي أصدرها عبد المهدي خلال الأشهر الأخيرة، ارتباكا واضحا يشير إلى هشاشة بعض تلك القرارات لا سيما تلك التي تراجع عنها بسبب ضغوط قادة بفصائل "الحشد الشعبي".

وسبق لرئيس الوزراء أن تراجع في أغسطس/ آب الماضي عن قرار بسحب مليشيا "الحشد الشعبي" من منطقة سهل نينوى، شمال الموصل، بعد تعرضه لضغوط من قادة فصائل مسلحة. كما أصدر عبد المهدي في يوليو/ تموز 2019 أمرا ديوانيا لحل "الحشد الشعبي" ودمجه بمؤسسات الدولة الأخرى خلال شهر، إلا أن هذا الأمر لم يطبق ليعود بصفته القائد العام للقوات المسلحة ليشرك "الحشد" في قيادة العمليات المشتركة.

كذلك صادق الأسبوع الماضي على هيكلية جديدة لـ"الحشد الشعبي"، ما يعني تراجعا عن قرار دمجه بالمؤسسة الأمنية، إضافة إلى تراجعه عن قرار أمر بموجبه بتفكيك السور الذي شيد حول بغداد، بعد ضغوط من قيادات مليشياوية وسياسية قريبة من إيران، عدا عن إلغاء قرارات في كركوك لصالح قوى كردية. 

كما أصدرت الحكومة قرارا سابقا بعودة نازحي جرف الصخر (شمال محافظة بابل)، إلى مناطقهم، إلا أنها تراجعت عن قرارها بضغوط من مليشيات مسلحة تسيطر على المنطقة.

وأخيرا أثار إصرار رئيس الوزراء على تجريد أحد أبرز الشخصيات التي برزت خلال القتال ضد تنظيم "داعش"، وهو الجنرال عبد الوهاب الساعدي، من قيادة قوات جهاز مكافحة الإرهاب، ونقله إلى دائرة الاحتياط في وزارة الدفاع والتي اعتبرت بمثابة العقوبة له، لغطا واسعا في اليومين الماضيين داخل الشارع العراقي، متهمين إياه بميله إلى جهة سياسية دون أخرى في العراق.


وقال عبد المهدي، الأحد، إنه لن يتراجع عن قرار عزل الساعدي من منصبه، موضحا في لقائه عدد من الصحافيين، أن الساعدي "أحيل إلى دائرة الإمرة في وزارة الدفاع".
وأشار إلى أن الضابط لا يختار موقعه، وإنما يؤمر وينفذ، ولا يمكن ترك المؤسسة العسكرية لأهواء شخصية، مشدداً على أن "ارتياد بعض الضباط للسفارات أمر غير مقبول".
تزامن ذلك مع قيام قوات عراقية بإزالة نصب تذكاري للجنرال الساعدي كان من المقرر افتتاحه أمس، الأحد، في مدينة الموصل لدوره في تحرير المدينة من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام محلية.

عضو البرلمان العراقي السابق، نديم الجابري، قال لـ"العربي الجديد"، إن "أسباب التراجع عن بعض القرارات الحكومية والتمسك بأخرى يعود إلى أن الدولة تدار بعقلية السلطة، وليس ضمن سياقات الدولة الاعتيادية"، مشيرا إلى وجود قرارات تتخذ على أساس الموالاة والخصومة.

ولفت إلى أن الفترة الماضية شهدت تراجعا عن قرارات اتخذتها الحكومة، وهذا الأمر جيد إذا كان القرار خاطئا، مستدركا بالقول "إلا أن قضية الساعدي حملت بعدا سياسيا".

وأضاف "في قضية الساعدي نلاحظ هناك إصرار على تنفيذ الأمر دون أي استعداد للمراجعة"، مؤكدا أن قراءة ما بين السطور تشير إلى وجود مؤشرات سياسية للأزمة.

وتابع "قد يتعلق ذلك بالدرجات الخاصة التي يجري تقاسمها الآن"، مبينا أن الجنرال الساعدي اعتبر قرار عبد المهدي بحقه إهانة، في حين تحدث عبد المهدي عن وجود ضباط يرتادون السفارات الأجنبية.

وأشار إلى أن الحكومة قد تكون تخشى من تحركات للجيش، موضحا أن الغموض هنا جعل كل التفسيرات محتملة، ولم تظهر وجهة نظر موضوعية تفسر الأمور، لذلك كثرت الإشاعات حولها.

عضو في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي تحدث لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، عن أن "قرار إقصاء الساعدي ثم إزالة نصب له شيد بمبادرة من ناشطين تكريما لجهوده في تحرير الموصل، عام 2017، تشير إلى وجود أبعاد شخصية وراء ذلك"، مبينا أن "رئيس الوزراء كان يمكن أن يتراجع عن قراره لاحتواء الغضب الشعبي".
وبين أن عبد المهدي سبق أن تراجع عن قرارات أمنية مهمة، مثل إخراج مليشيا "الحشد الشبكي" من سهل نينوى، ودمج "الحشد" بالقوات العراقية، فضلا عن قراره منع الطيران الأجنبي ثم عودته لمنح استثناءات لبعض الدول بقرار حصري منه، وقرارات أخرى، مثل تراجعه عن تفكيك سور بغداد الذي تسبب بمشاكل وانتهاكات ومآس إنسانية بعد ضغوط مليشياوية وقوى قريبة من صناع القرار في طهران.
واعتبر أن رئيس الوزراء بات معروفا بانتقائيته والتراجع عن قراراته، مؤكدا أن سياسة الرجل الأمنية في الأشهر الأخيرة تشير إلى وجود انصياع تام لرغبات قادة فصائل "الحشد الشعبي" الذين تمكنوا من التغلغل بشكل كبير في المؤسسة الأمنية.
وتحدى عضو مجلس النواب العراقي، يوسف الكلابي، رئيس الوزراء إن كان قادرا على التحكم بتنقلات قوات "البشمركة" الكردية، موضحا خلال مقابلة متلفزة، أنه غير قادر على نقل عنصر واحد منها.
ولفت إلى وجود استراتيجية عكسية تحدث مع القوات الأمنية بعد الانتصار على تنظيم "داعش"، مضيفا أن "عبد المهدي غير قادر على نقل جندي واحد من البشمركة من فوج إلى فوج آخر وأتحداه للقيام بذلك".

بالمقابل، اعتبر عضو التيار المدني العراقي، علي عبد الحسين اللامي، أن نقمة الشارع تتزايد بشكل مستمر على أداء رئيس الوزراء، مضيفا أن "عبد المهدي أثبت انصياعه لمعسكر دون آخر والقرارات التي يتخذها فيها استعداء للشارع، من بينها إقالة ضباط لهم شعبية واضحة في عموم الشارع العراقي، لسبب وحيد أنهم خارج الأجندة الإيرانية في العراق". وحذر من أن "أداء الحكومة ككل يفتح شهية الشارع إلى عودة التظاهرات وبشكل قد يكون أوسع هذه المرة".

أستاذ العلوم السياسية، قاسم حميد، قال لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الوزراء فشل في اختبار قوته في اتخاذ القرارات، فهو تارة يخضع للحشد ليتراجع عن قرارات أمنية استراتيجية، وتارة أخرى يصر على قرارات تعتبر في نظر البعض خاطئة"، مبينا أن "السنة الأولى لحكومة عبد المهدي كانت مبنية على الإملاءات التي تفرض عليه من قبل القوى البرلمانية المعروف بقربها من طهران".

وعزى ذلك إلى أن "عبد المهدي مرشح تسوية ولا تدعمه كتلة سياسية لها ثقلها في البرلمان، لذا صار تحت رحمة الضغوط والابتزاز من قبل عدة كتل".

من جهته، طالب النائب في البرلمان، أحمد الجبوري، الاثنين، عبد المهدي بإزالة صور القادة الإيرانيين في الموصل، بعد إزالة النصب التذكاري للساعدي. وقال الجبوري في تغريدة عبر "تويتر": "نحترم قرار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بشأن إزالة تمثال عبد الوهاب الساعدي من الموصل، ونطلب منه إزالة كل صور القادة الإيرانيين من الموصل وبقية المحافظات"، وأضاف أن "هذه الخطوة تحفظ السيادة والكرامة العراقية".


وأشار الجبوري إلى أن "أهالي الموصل في الجانب الأيسر، ووفاء للتحرير الذي لم يرافقه دمار كبير كما جرى في الجانب الأيمن، سمّوا شارعا باسم عبد الغني الأسدي، ودوارا وضعوا فيه نصبا لعبد الوهاب الساعدي"، وتابع أن "هذه الخطوة رسالة واضحة بأن أبناء الموصل لا يصطفون طائفيا، وهم يشكرون ولا ينكرون، وإن كانت جراحاتهم مثخنة".