ما وراء استنفار بوتين لمساعدة نتنياهو انتخابياً

ما وراء استنفار بوتين لمساعدة نتنياهو انتخابياً

06 ابريل 2019
بوتين يرغب في بقاء نتنياهو (ماكسيم شيميتوف/فرانس برس)
+ الخط -

لا خلاف على أن خطوة الرئيس الروسي فلادمير بوتين، الكشف عن دور جيشه وجيش نظام بشار الأسد في البحث عن جثة الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل داخل سورية وإعادتها إلى إسرائيل، تعدّ تدخلاً بارزاً في الانتخابات الإسرائيلية ومحاولة واضحة لتعزيز مكانة رئيس حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب بنيامين نتنياهو.


فعلى الرغم من أن جثة الجندي قد أعيدت قبل سبعة أيام من الزيارة التي قام بها نتنياهو مؤخراً لموسكو، إلا أن بوتين حرص على تنظيم حفل في وزارة الدفاع الروسية، لاستقبال نعش يضم البزة العسكرية ونعل باومل بحضور نتنياهو، من أجل تمكينه من التدليل على دوره في الحفاظ على مصالح إسرائيل وجنودها.
ومع أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أجمعت على أن كلاً من موسكو وتل أبيب، قد اتفقتا في وقت سابق على عدم الكشف عن دور روسيا وجيش الأسد في البحث والكشف عن جثة باومل، إلا أن بوتين تحديداً هو الذي اختار أن يتجاوز هذا التفاهم ويتطوع بالكشف عن هذا الدور، على الرغم من إدراكه أن هذا الاعتراف يلحق ضرراً كبيراً بسمعة النظام السوري أمام شعبه والأطراف التي تشكل المحور، الذي يفترض أنه ينتمي إليه.

ومن أجل إبراز مدى حرصه على مساعدة نتنياهو، فقد وجه بوتين صفعة مدوّية أخرى لنظام الأسد، إذ إنه في أعقاب إصدار دمشق بياناً ادعت فيه أن "جماعات إرهابية" ساعدت جهاز "الموساد" على العثور على جثة باومل، أصدر بوتين وأركان إدارته مجدداً تأكيدات أن روسيا ستوظف حضورها في سورية في محاولة العثور على جثامين بقية الجنود الإسرائيليين المفقودين. وتدلّ التأكيدات الروسية على أنه على الرغم من نفي نظام الأسد، فإن جيش النظام سيكون مضطراً لمواصلة الاستنفار والبحث عن جثث بقية جنود الاحتلال.

ويتضح أن دلالات استنفار بوتين لمساعدة نتنياهو انتخابياً، من خلال إعادة جثة الجندي باومل، أكبر من دلالة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل. فمن أجل مساعدة نتنياهو، فإن بوتين لم يتردد في توظيف نظام الأسد، الذي يفترض أنه يمثل سورية، التي تعرضت لمئات الغارات بناءً على تعليمات نتنياهو.

ومن الواضح أن هناك خمسة أسباب رئيسة، تدفع بوتين للحرص على مساعدة نتنياهو بالفوز في الانتخابات التشريعية، من خلال بوادر حسن النية التي تهدف إلى تعزيز مكانته أمام الرأي العام الإسرائيلي.
فبوتين يراهن على توظيف التأثير الطاغي لنتنياهو لدى الإدارة الأميركية، والأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، في محاولة التوصل لصفقة مع واشنطن تفضي إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا، التي فرضت بعد تفجر الأزمة الأوكرانية.
وكانت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت في الماضي، إلى أن أحد الأسباب التي تعوق تحرك نتنياهو من أجل إنجاز هذه المهمة، كان التحقيق الذي أجراه المحقق روبرت مولر في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية. ومن الواضح أنه في أعقاب صدور قرار تقرير مولر، الذي يبرئ ساحة ترامب، فإن هذا سيوفر بيئة لتدخل نتنياهو، في حال شكل الحكومة القادمة بعد الانتخابات، كما تتوقع استطلاعات الرأي.
إلى جانب ذلك، ونظراً لإدراك بوتين لدور جماعات الضغط اليهودية الرئيسة، وعلى وجه الخصوص ذات توجه يميني متطرف، ولا سيما "أيباك"، فإنه يعي أن كل محاولة لمساعدة نتنياهو ستنظر إليها هذه الجماعات بإيجابية، ويمكن أن تدفعها للمساعدة على التوصل للصفقة بين موسكو وواشنطن.
وفي الوقت ذاته، فإن بوتين يدرك أن التحول الكبير على طابع العلاقة مع إسرائيل، وتعاظم مظاهر التعاون الأمني والاستخباري والتقني معها تم في عهد نتنياهو، ما يجعله معنياً بمساعدته على مواصلة الحكم.
إلى جانب ذلك، فإن سماح روسيا لإسرائيل بالعمل في سورية من أجل تحقيق خريطة مصالحها الاستراتيجية، ولا سيما منع إيران من التمركز عسكرياً هناك، يعود أيضاً إلى تباين المصالح بين موسكو وطهران، ولا سيما بعدما تم ضمان بقاء نظام الأسد.
فروسيا باتت ترى في الوجود العسكري الإيراني عائقاً أمام بدء مشاريع إعادة الإعمار، التي تراهن موسكو على عوائدها المادّية. وتعي موسكو أن الدول الغربية والعربية لن تشارك في مشاريع إعادة الإعمار، في حال واصلت إيران التمركز عسكرياً في سورية.
من هنا، فإن بوتين لا يسمح لإسرائيل بضرب أهداف إيران و"حزب الله" في سورية فحسب، بل يصرّ حتى الآن على عدم تمكين نظام الأسد من تشغيل منظومات "إس 300" التي زوّد النظام بها، حتى لا تشكل تهديداً للطائرات الإسرائيلية أثناء توجهها لتنفيذ غارات.
وعلى الرغم من أنه يجب التعاطي مع هذا الكشف بحذر، إلا أن أيالا حسون مقدمة البرامج الإخبارية في قناة التلفزة "13"، أشارت قبل شهر إلى أن هناك من يؤكد أن روسيا تزود إسرائيل بإحداثيات المواقع التي يوجد فيها الإيرانيون من أجل تسهيل مهمة ضربها.

إلى جانب ذلك، فإن روسيا لا تتردد في محاولة مساعدة إسرائيل على تحقيق مصالحها خارج حدود روسيا. من هنا، لم يكن من المستهجن أن تكون قضية مصانع إنتاج الصواريخ ذات دقة الإصابة العالية، التي تدّعي إسرائيل أن إيران تبنيها داخل لبنان، على رأس القضايا التي بحثها نتنياهو وبوتين.