حلب... استحالة اقتحامها برياً يفتح سيناريو حصارها عبر الكاستيلّو

حلب... استحالة اقتحامها برياً يفتح سيناريو حصارها عبر الكاستيلّو

06 مايو 2016
استيقظ أهالي حلب على دمار شامل (براء الحلبي/فرانس برس)
+ الخط -
يرى كثيرون، في سورية وخارجها، أن الموافقة الروسية والسورية الحكومية على أن تشمل التهدئة، مدينة حلب، سببها الرئيسي هو إدراك النظام وحليفه الروسي أنّه من الصعب جداً أن يتمكنا من قلب موازين القوى على الأرض في هذه المدينة التي لا تزال الكفة فيها تميل للمعارضة التي تسيطر على 60 في المئة من مناطقها. واستنفد النظام، خلال أسبوعين، بنك أهدافه الجوية فضرب المستشفيات والمدارس والمساجد والمنازل في مناطق سيطرة المعارضة، ليبقى أمامه خيار الاجتياح البري الذي تفيد المعطيات الجغرافية العسكرية البحتة أنه يبدو أكثر من صعب. 

وفي ضوء ضعف احتمالات تمكّن قوات النظام السوري من اقتحام مناطق سيطرة المعارضة بمدينة حلب، فقد تتجه إلى محاولة فرض حصار عليها، مستغلة هذه الهدنة، لتجبر المعارضة على توقيع اتفاق انسحاب منها بعد أشهر من الحصار، كما جرى في مدينة حمص العام قبل الماضي، وفقاً لمراقبين. وسيكون هدف قوات النظام في هذه الحالة طريق الكاستيلو الذي بات، منذ أشهر، الممرّ الوحيد الذي يصل مناطق سيطرة المعارضة في حلب بمناطق سيطرتها في ريفها. وتبقى احتمالات نجاح قوات النظام في قطع طريق الكاستيلو قائمة خصوصاً في حال فشلت الهدنة، وسط جهوزية لفصائل المعارضة للرد واستنزاف قوات النظام في أي محاولة برية للتقدم أو فرض الحصار. 

وسادت أجواء من الهدوء والترقب في مدينة حلب، أمس الخميس، واستفاق السكان ليعاينوا الدمار الواسع الذي تركته الغارات الجوية وعمليات القصف المدفعي والصاروخي التي شنتها قوات النظام على الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة. وبعدما اضطرت أعداد كبيرة من الحلبيين إلى النزوح مؤقتاً بين أحياء المدينة، عادوا إلى منازلهم التي طاولها القصف العنيف، ليقيّموا الأضرار التي أصابتها.

وتعرّضت قوات النظام السوري التي تسيطر على وسط وغرب مدينة حلب إلى ضربة عسكرية قوية من فصائل المعارضة المسيطرة على باقي المدينة وضواحيها الشمالية والغربية. وعلى الرغم من الهجمات الجوية والصاروخية الذي تشنها، يومياً، قوات النظام على مناطق سيطرة المعارضة في حلب، منذ نحو أسبوعين، تمكّنت المعارضة من مباغتة قوات النظام غرب حلب بتفجير نفق أسفل أحد أهم مبانيها الذي يحمي فرع الاستخبارات الجوية في حي الزهراء، لتوحي لقوات النظام أن هناك هجوماً تالياً لعملية التفجير، قبل أن تباغتها بهجوم في منطقة الراشدين غرب حي حلب الجديدة الذي يسيطر عليه النظام السوري.

وتقول مصادر في حركة "نور الدين زنكي"، أحد أكبر فصائل المعارضة بريف حلب الغربي، لـ"العربي الجديد" إن الحركة شنّت بالتعاون مع لواء الحرية التابع للمعارضة وفصائل محلية أخرى هجوماً متزامناً على نقاط تمركز قوات النظام في تلة مهنا، ومزارع الأوبري، ومنطقة الفاميلي هاوس غرب حلب قرب حي الراشدين، لتنجح بالتقدم إليها من منطقة البحوث العلمية التي تسيطر عليها المعارضة. وتمكّنت قوات المعارضة، يوم الثلاثاء، من السيطرة على هذه المناطق جميعها لتبدأ قوات النظام السوري حملة قصف على مناطق الفاميلي هاوس ومزارع الأوبري وتلة مهنا، واستهدفتها بأكثر من ألف وخمس مائة قذيفة وصاروخ، بالإضافة إلى ستين غارة جوية، ما أجبر فصائل المعارضة على الانسحاب منها، فجر الأربعاء، بعد خسارتها ثلاثة عشر مقاتلاً، وإصابة نحو عشرين آخرين، وفقاً لهذه المصادر.

وعلى الرغم من فشل المعارضة في التمسك بالمناطق التي استولت عليها غرب حلب، يشير تقدمها في هذه المناطق التي تشكل خط الدفاع الرئيسي لقوات النظام عن مناطق سيطرتها في مدينة حلب، إلى الكفاءة القتالية العالية لقوات المعارضة على الرغم من تفوّق قوات النظام على مستوى العتاد العسكري وامتلاكها سلاح الطيران الذي طالما رجّح كفة قوات النظام على المعارضة في المواجهات العسكرية الفاصلة.

وبدت فصائل المعارضة في معركة غرب حلب التي خاضتها، يومَي الثلاثاء والأربعاء، على أتم الاستعداد لمواجهة أية محاولة لقوات النظام للتقدم في مناطقها. بل أظهرت المعارضة قدرة على التقدم في مناطق سيطرة النظام بحلب على الرغم من كل حملات القصف الجوي والمدفعي والصاروخي التي تشنها طائرات النظام في المدينة. ويشير ذلك، وفقاً لمراقبين، إلى ضعف احتمالات نجاح عمل عسكري قد تفكر قوات النظام بشنّه على مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب. فمع التسريبات المتقاطعة التي خرجت، أخيراً، من داخل قوات النظام عن بدء استعداداتها بمساعدة روسية للهجوم على مناطق سيطرة المعارضة بمدينة حلب، يبدو أن قوات المعارضة قد حصّنت مناطق سيطرتها واستعدت للتصدي لأي هجوم قد تفكر قوات النظام بشنه على المدينة.

ويصف مراقبون جولة القتال التي جرت في مناطق غرب حلب، يوم الثلاثاء وفجر الأربعاء، بأنها "بروفا" للمعركة الكبيرة المنتظرة في حلب. وقد تزامنت هذه الجولة مع هجوم لقوات النظام على مناطق سيطرة المعارضة في حي الأشرفية، ليل الثلاثاء، لكن المعارضة تصدت لهجمات قوات النظام وأفشلتها، وكبدتها خسائر كبيرة في عناصرها وعتادها. ويأتي ذلك، استمراراً للحال التي ثبت عليه الوضع العسكري في حلب منذ بداية عام 2013، إذ لم تشهد خطوط المواجهة في المدينة تغيّرات تُذكر منذ ذلك الوقت على الرغم من محاولة قوات النظام إحراز تقدم عسكري على المعارضة في المدينة عشرات المرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

ويعود ذلك بطبيعة الحال، وفقاً لمتابعين، إلى عوامل عدة؛ أولها الخبرة الميدانية التي اكتسبتها المعارضة في حرب الشوارع، والتي تعدّ الحرب القائمة في حلب نموذجاً عنها (قبل الهدنة)، بالإضافة إلى تفوّق المعارضة لجهة أنّ معظم مقاتليها هم من أبناء حلب وريفها، ما يجعلهم على صلة وثيقة بالمناطق التي يدافعون عنها، على عكس مقاتلي النظام السوري الذين بات يغلب طابع المقاتلين الأجانب عليهم بعد استقدام النظام السوري للمليشيات الأجنبية إلى حلب. وهؤلاء لا يملكون أي دراية بالمعطيات الجغرافية والديمغرافية في حلب، الأمر الذي جعلهم في كثير من الأحيان صيداً سهلاً للمعارضة المحلية. وثاني العوامل يعود إلى طبيعة المدينة وفيها الأزقة الضيقة التي لا تستطيع الدبابات الدخول إلى عدد كبير من طرقاتها حتى، وهو ما يصعّب أيضاً من حظوظ نجاح أي تدخل بري. ثالثاً، بما أن مدينة حلب إحدى أقدم المدن المسكونة من الإنسان في العالم، فإنّ لديها ما يشبه "مدينة تحت الأرض" بأنفاق طبيعية وبنية تحتية طبيعية تجعل من سيناريوهات الدخول إلى أحيائها أشبه بالانتحار بالنسبة لأي قوة غازية.

وحاولت قوات النظام، مراراً، خلال الأشهر الماضية التقدم في مناطق سيطرة المعارضة شمال حلب وتحديداً في منطقة حندرات نحو طريق الكاستيلو، إلّا أن المعارضة كانت تتصدى على الدوام لمحاولات النظام قطع الطريق، وبالتالي تمنع قوات النظام من فرض حصار على مناطق سيطرتها في حلب. هذا الأمر دفع طائرات النظام السوري إلى استهداف هذا الأوتوستراد جواً بهدف تعطيل الحركة عليه، وهو الأمر الذي يضمن إيقاف الطريق لساعات فقط من دون قطعه بشكل كامل.