حارث سيلاجيتش:ما زلنا نعاني من الحرب

حارث سيلاجيتش:ما زلنا نعاني من الحرب

أنس أزرق

avata
أنس أزرق
15 ديسمبر 2014
+ الخط -
لا يفضّل الرئيس السابق حارث سيلاجيتش الحديث في تفاصيل السياسة ولا يحبّذ الخوض بعيداً في سيرته الشخصية وعلاقاته مع رفاق درب الاستقلال وفي المقدمة الرئيس الاول للبوسنة والهرسك، علي عزت بيغوفيتش، الذي عمل معه وزيراً للخارجية ورئيساً للوزراء، ويريد أن يتجاوز الوقائع السياسية لأصل المشكلة، كما يقول، وهي أزمة الهوية في البلقان وعدم قدرة أوروبا على هضم الثقافة الاسلامية.
درس اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في مدينة البيضاء، في المملكة الليبية، وتخرج فيها بعد صعود القذافي الى الحكم. يقول باختصار: "هذا بفضل أبي، رحمه الله، والذي كان رجل دين وامام جامعة مسجد غازي خسرو بك، كان يقدّر الملك إدريس السنوسي الذي لم يكن ملكاً فقط بل شخصية روحية ووريث الحركة السنوسية والتي كانت حركة سياسية وليست فقط صوفية، ودافعت عن شمال أفريقيا ضد الاعتداء الاستعماري. عشت في ليبيا أفضل أيامي. هذا شعب ممتاز وكريم جداً، تاريخه صعب وحاضره، للأسف صعب جداً، لكن ذكرياتي فيه كلها جميلة".
يتألم لوضع العالم العربي والاسلامي، ويقارن بين الحرب في بلاده وتلك التي تدور في سورية التي لم تعترف باستقلال بلاده ولم يزرها إلا مروراً في مطارها، ويقول عن إمكانية نقل تجربة الحل في البوسنة والهرسك والاستفادة منها في سورية:
"أهم شيء، السلام أولاً ووقف إطلاق النار، لأن الناس يموتون، إذا لم توجد الارادة، فالحرب ستستمر وسيدفع المجتمع في المستقبل الثمن لعقود طويلة". 
هنا نص الحوار مع الرئيس البوسني السابق حارث سيلاجيتش:

* هل استقر الوضع، الآن، في البوسنة والهرسك سياسياً وأمنياً؟
- استقر الى حد ما، البوسنة والهرسك مستقرة، لكن العالم كله غير مستقر. العالم مضطرب، ممزّق، ولذلك نتكلم عن الثقافات لأن الثقافة تقوم بدور اللحام ما بين هذه الاجزاء الممزقة. أصبح العالم صغيراً. أصغر فأصغر يوماً بعد يوم، ولا بد من معالجة هذه الزوايا الحادة لكل الثقافات. وللأسف الشديد إن بعض الدوائر ترفض هذه التعددية.

* مَن تقصد؟
- على سبيل المثال يعني هناك طبعاً حركة استشراقية والحركة الاستشراقية بحثت العالم الشرقي بشكل عام، درسته وحللته وقدمته للعالم. يعني أن المستشرق كان يتكلم باسم الشرق الى حد ما والآن نحن في مرحلة انتقالية ما بين الفاعل والمفعول، المستشرق هو الفاعل والمفعول هو الشرق. والآن بدأ الشرق يبحث نفسه ويتكلم باسمه ويتكلم عن الغرب كذلك، هذا هو الحوار.
معظم الاوروبيين يريدون البقاء كما كانوا، هم الفاعل والشرق مفعول اجتماعياً أو ثقافياً أو سياسياً.

* هل تقصد أن الوضع استقر سياسياً في البوسنة والهرسك لكن ما زال هناك صراع هوية؟
- تعبير الصراع يمكن ألا يكون دقيقاً، لكن موضوع الهوية في أوروبا والغرب بشكل عام ملتبس. على سبيل المثال، الحضارة العربية الاسلامية جزء لا يتجزأ من الهوية التاريخية والثقافية لأوروبا. بعض الدوائر لا يقبلون هذا، لأن هناك مواجهة ألف سنة وأكثر ما بين الاثنين. لكنها حقيقة تاريخية.
كما أن أوروبا جزء لا يتجزأ من الهوية العربية الاسلامية أو الاسلامية بشكل عام. هناك زوايا حادة لا بد أن نعالجها، وهذا يحتاج إلى تأمل وتمهّل وتفكير وإلى الوقت أيضاً. مشكلة الحضارة هذه أنها سريعة جداً، والسرعة أصبحت غاية بحد ذاتها، بصرف النظر عن المضمون، وهذا خطر على الحضارة الإنسانية.

* هل هناك آثار اجتماعية لما حصل في البوسنة والهرسك بين المسلمين والصرب والكروات، وهل هذا ينعكس على النظام السياسي الذي نتج عن اتفاق دايتون؟
هذا سؤال وجيه. الحالة هذه تؤكد أن التقدم والتقدم الاجتماعي لا يكونان بخط مستقيم. ومرور الوقت لا يعني التقدم تلقائياً بالبوسنة والمنطقة البلقانية واوروبا كلها، والدليل على ذلك أننا، مثلاً، في العهد العثماني تمتعنا في شبه جزيرة البلقان بفترات طويلة مستقرة.
البلقان طبعاً مفترق الطرق بين الشرق والغرب. لذا الاضطرابات طبيعية عندما تكون بتقاطع المصالح، ومع ذلك تمتعنا بفترات طويلة من الاستقرار خلال العهد العثماني. المجتمع في البوسنة متنوّع، وهذه التعددية الطبيعية الحقيقية للبوسنة بسبب موقعها الجغرافي. وهذه التعددية غير مقبولة في أوروبا، لأن التعددية، بالنمط الأوروبي، تعني نحن نعيش في جانب وانت في جانب.
كنا نتوقع بعد الحرب أو الاعتداء على البوسنة والهرسك، أننا سنتمتع بالموديل الذي يناسب البوسنة وماضيها. وهو موديل معروف، موديل الاندلس، كان أنجح موديل تعددي حقيقي في تاريخ البشرية، وكذلك الموديل البوسني أيام الدولة العثمانية.
لكن حصل أن اتفاقيات ديتون للسلام التي أنهت الحرب، وهذا أهم شيء، كرّس الموديل التعددي الاوروبي، يعني كل إثنية منفصلة عن الأخرى، وهذا لا يؤدي الى الموديل التعددي الحقيقي.
أوروبا تريد أوروبا متحدة، وتريد أن تكون البوسنة القديمة، وفي الوقت نفسه لا تساعد على إحياء هذا الموديل الناجح.

* لكن نموذجي الاندلس والبوسنة إسلاميان!
لا، موديل دولة، وحتى ولو كان ذلك، ما المانع ما دام ناجحاً ويؤمن بالتعددية الحقيقية؟

* كأنك تريد إقصاء المكوّنات المسيحية في المنطقة وهم جزء منها. وبالعكس يعتبرون الاسلام طارئاً عليها!
هذه مشكلة فعلاً، لكن لننظر الى الموديل الاميركي. موديل تعددي ناجح مع المشاكل، لكنه ناجح. مَن هاجر إلى أميركا قبل مئة سنة أو خمسين سنة أو عشر سنوات يصبح مواطناً أميركياً. أما أوروبا، فالمسلمون موجودون فيها منذ أكثر من ألف سنة ولا يعتبرون أوروبيين.
فلننسَ الموديل البوسني، لأنه موديل إسلامي كما قلت، وماذا عن الموديل الاميركي وهو ناجح أيضاً، هناك القوميات والاديان تتعايش في دولة ومجتمع ولا تفرقة.

* تريد تجاوز النظام السياسي الذي أنتجه اتفاق دايتون؟
نعم، حتى نحصل على نموذج مدني يكون كل شخص فيه ينتمي الى وطن اسمه البوسنة والهرسك بكامل الحريات، سواء أكان يعتنق هذا الدين أو ذاك أو لا يؤمن، فهو حر.

* أنتم الغالبية في هذا البلد، لذا سيحكم المسلمون!
إذا اخذنا بهذا المنطق، فهذا يعني أكثر الدول الاوروبية مسيحية. المهم نحن في الاتحاد الاوروبي، نحترم قوانين الاتحاد الاوروبي وحقوق الانسان وما الى ذلك. نكون دولة مدنية عصرية حتى لو كانت الاغلبية مسلمة.

* أنتم من الموقعين على "اتفاق دايتون" وتريدون الانقلاب عليه؟
ما هو الانقلاب؟ نريد تطويره وتجاوزه لأن اتفاقية دايتون للسلام هي للسلام، هدنة حتى لا نحارب، كل شيء يتطور، هذه طبيعة الحياة. دساتير دول ونحن نتغيّر للأفضل وهي ديمقراطية مدنية.

* ما هي أهم ملاحظاتك على النظام السياسي الذي أنتجه "اتفاق دايتون" الذي شاركت في مفاوضاته؟ 
لقد أعطى شرعية للقتل الجماعي، للإبادة والطرد الجماعي حتى ينهي الحرب، وهذه غاية نبيلة. في الوقت نفسه، دفعنا ثمن أن ما حصل يخرق أبسط القوانين الإنسانية، وقد اكتسب شرعية عالمية. لقد هجّر مئات الآلاف من البوسنيين واكثرهم مسلمين، الى استراليا واميركا وأوروبا. ما حصل تطهير عنصري، إبادة جماعية، هناك مناطق كثيرة من البوسنة والهرسك مطهّرة من العنصر غير المرغوب فيه. وهذا حصل نهاية القرن العشرين في وسط أوروبا الديمقراطية والمؤمنة بحقوق الانسان.

* لكن هذا ما حصل للجميع!
صحيح، لكن المسلمين البوسنيين كانوا الضحية الاكبر لهذه الحرب. لم يكن هناك مفر، إما أن نواصل الحرب أو نصل لتسوية. مدينة سراييفو كانت محاصرة، أطول حصار في تاريخ الحروب، أطول من حصار لينينغراد، إما نواصل المعاناة والقتل والموت أو نتفق على أبسط القواعد. هذه هي اتفاقية دايتون.

* تعتبرون فريقكم خاسراً باتفاق دايتون؟
أعتقد أن الانسانية كلها خاسرة وليس فقط البوسنة والهرسك. العالم كله خسر، لأن القاعدة الآن أنه إذا كان عندك القوة والدبابات والطائرات وتدخل أراضٍ ليست لك وتطرد أناساً وتقتلهم وتنتظر عدة سنوات فتحصل على الشرعية العالمية.

* خرجت من حزب العمل وأسّست حزب "لأجل البوسنة والهرسك". لماذا؟
الشيطان دائماً في التفاصيل، هذه آرائي وللآخرين آراؤهم، في البوسنة حرية سياسية ولكل واحد الحق بذلك.

* دولة الرئيس، كنت رئيساً للبوسنة ورئيس وزراء ووزير خارجية وناضلت في سبيل استقلال البوسنة والهرسك. هل كتبت هذه التجربة؟
لم أكتبها. في الحقيقة أنا لم أفكر في السياسة والعمل السياسي أبداً قبل أن يعتدي النظام الصربي على البوسنة والهرسك. لم أفكر بالسياسية وكان عندي توجه أكاديمي. ولكن لما اعتدوا على الوطن، السياسة صارت واجباً وليست خياراً.

* في يوغوسلافيا السابقة كنت في العمل الأكاديمي؟
نعم، لم أدخل أيام حكم تيتو في السياسة ولم أكن عضواً في الحزب الشيوعي أبداً، وهذا كان له تداعيات معينة. بعض المناصب لم أصل إليها بسبب ذلك. لكن، في الحقيقة إن الوضع في يوغوسلافيا الشيوعية كان أفضل بكثير من دول شرق أوروبا الشيوعية، كرومانيا وهنغاريا وبلغاريا.

* هل شعرتم أثناء الحرب الاهلية في البوسنة بلحظات يأس وان العالم كله قد تخلى عنكم؟
دائماً كان هناك أصدقاء، وطبعاً الاصدقاء في وقت الضيق قليلون، ولكن بقي لنا أصدقاء، ومنهم دول الخليج، وكنت أتوقع من أوروبا أن تقوم بتدخل أفضل.

* هل أنت متفائل بمستقبل المنطقة في البوسنة والهرسك؟
نعم، متفائل، إنّ بعد العسر يسراً.

دلالات

ذات صلة

الصورة
نقل رفات من ضحايا مذبحة سربرنيتسا في سراييفو 1 (أسوشييتد برس)

مجتمع

اصطف مئات الأشخاص في الشارع الرئيسي بالعاصمة البوسنية، اليوم الأحد، في حين مرّت شاحنة محمّلة بـ30 تابوتاً في طريقها إلى سربرنيتسا لدفن ضحايا حُدّدت هوياتهم أخيراً.
الصورة

سياسة

تجمّع آلاف الأشخاص في البوسنة، اليوم الأحد، لإحياء ذكرى مذبحة سربرينيتسا التي وقعت عام 1995، وهي الإبادة الجماعية الوحيدة المعترف بها في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ولدفن 19 ضحية تم التعرف عليهم حديثاً.
الصورة
انتخابات البوسنة/Getty

سياسة

اكتملت مقاعد المجلس الرئاسي لجمهورية البوسنة والهرسك، المؤلف من ثلاثة مقاعد، يتقاسمها صربي وبوسني وكرواتي، صباح اليوم الإثنين، بفوز القومي ميلوراد دوديتش في وقت متأخر من مساء أمس، بالمقعد المخصّص للصرب.
الصورة
البوستة 2

اقتصاد

قبل 25 عاماً، كانت شوارع البوسنة مسرحاً للاقتتال. أصداء الحرب وصلت إلى كافة بقاع الأرض، وشكلت مادة دسمة في عناوين الأخبار السياسية اليومية. انتهت الحرب، خلعت القرى والمدن ثوب الدمار، وافتتحت ذراعيها لاستقبال الزوار.

المساهمون